باراغوانث: سُرّبت 3 مستندات من التحقيق

تحدّث القاضي دايفد باراغوانث أمس معنا لنحو نصف ساعة عن أمور مرتبطة بالمحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. حضر اللقاء نائب الرئيس القاضي اللبناني رالف رياشي وعدد من المسؤولين في المحكمة. وهذا أبرز ما ورد خلال المقابلة

■ ان اختصاص المحكمة التي ترأسها ينحصر بمحاكمة الافراد الذين قد يثبت أنهم ارتكبوا الجريمة (أو الجرائم) لا المنظمات، فلماذا أشار المدعي العام في قرار الاتهام الى علاقة المتهمين بحزب الله، وهو حزب لبناني يشارك بعض أعضائه في البرلمان والحكومة؟
أوافق على القسم الأول لما ورد ولا يمكنني الاجابة عن سبب استخدام «حزب الله» في قرار الاتهام. تعود صلاحية تحديد اللغة التي تستخدم في قرار الاتهام في المستقبل، بشكلها الحالي أو بشكل معدّل، للمدعي العام الجديد الذي أتمنى أن يكون في بيروت قريباً. لكن يجب عليّ أن أقول، بناء على مضمون سؤالك، ان المسؤولية الجنائية، بحسب القانون اللبناني، مرتبطة بمسؤولية الأفراد. الجميع في لبنان وفي سائر العالم الحرّ لديه الحقّ بحرية الرأي والتعبير والتصويت، واذا كانت هناك اشارات في قرار الاتهام بأن دعم حزب سياسي يعدّ ارتكاب هجوم جنائي فهذا مخالف للأسس.

■ هل المحكمة (الخاصة بلبنان) شرعية؟
ان … (لحظات من الصمت) رئيس مكتب الدفاع فرانسوا رو أشار اليّ أنه يرجّح أن يكون هناك طعن في قانونية المحكمة وفي شرعية انشائها، وبالتالي لا يمكنني الاجابة على هذا السؤال. والسبب هو الآتي: لدي وظيفتان، وظيفتي رئيساً للمحكمة بحسب المادة 12 من نظام المحكمة، كما تعلم جيداً (وهنا أخطأ الرئيس فالمادة التي تحدد صلاحياته في نظام المحكمة هي المادة 10 وليست 12) تحدّد مسؤوليتي بتمثيل المحكمة، لكن اذا كان هذا الدور لا يتناسب مع وظيفتي الثانية كأحد القضاة الخمسة في دائرة الاستئناف، فإن الوظيفة الثانية هي التي تطغى على عملي. واذا حصل طعن بشرعية وقانونية المحكمة فإن هذه القضية ستحال الى غرفة الاستئناف وبالتالي أتمنع عن التعليق على سؤالك لحين سماع ما سيثار في المحكمة. أنت تفهم ذلك…

■ أنا أفهم تماماً، انت لست متأكداً اذا كانت المحكمة شرعية أم لا…
لم أقل ذلك على الاطلاق، فأنا لم أعبّر عن أي رأي. فتعبيري عن أي موقف مهما كان بهذا الشأن هو أمر غير مناسب لأن ذلك قد يعتبر استباقاً لقضية يفترض أن تبت المحكمة بشأنها. وأكرّر: أنا لا أعلّق على الاطلاق على الطعن بشرعية المحكمة، فاذا فعلت أكون مخالفاً لقواعد العدالة.

■ هل تعتقد أن الجرائم التي ارتكبها اسرائيليون في لبنان عام 2006 والتي أدت الى قتل 1191 انساناً وجرح عشرات الآلاف تستحق انشاء محكمة دولية؟
أنا قاض في المحكمة الخاصة بلبنان، ولقد عيّنت لتولي وظيفة قضائية. ما يفعله القاضي هو الاستماع الى الادلّة التي تعرض أمامه ويطبق القانون بشأنها. ان صلاحيتنا القضائية محدّدة في المادة الاولى من نظام المحكمة، وليس لديّ دور للتصريح علناً بشأن قضايا وقعت في العالم بشكل عام، وان رأيي عن امور من هذا النوع ليست سبب تعييني قاضياً في محكمة لبنان، والقضايا ذات المنحى السياسي هي من اختصاص السياسيين وليس القضاة. (…) منذ أصبحت قاضياً في نيوزيلاندا أنا لا أتمتع بصلاحياتي كمواطن فأنا لا أمارس حقي بالانتخاب. (…) لقد كنت كقاض مثل غيري من القضاة، حذراً جداً في تجنّب الدخول في قضايا سياسية، فاذا أجبت على سؤالك أكون قد فعلت عكس ذلك.

■ اشارة الى أنني لم أسأل عن «قضايا وقعت في العالم بشكل عام»، بل عن جرائم وقعت في لبنان أي في البلد نفسه الذي تدعي المحكمة اختصاصها به، ووقعت هذه الجرائم في لبنان عام 2006…
لقد ذكرت قضايا وقعت في العالم بشكل عام لأنني كنت قد أشرت الى المادة الاولى (من نظام المحكمة) التي تحدّد اختصاص المحكمة، وكل ما لا يتناسب مع اختصاصنا نتعامل معه كقضايا وقعت في العالم بشكل عام وليس من بين صلاحياتي التعليق عليها علناً.

■ أفهم من ذلك أنك لن تجيب على سؤال بشأن رأيك بالادعاء أن حزب الله ضالع في الارهاب كما أشار قرار الاتهام من دون تحديد مصدر هذه المعلومات. وبالمناسبة لا توجد مراجع لذلك في الامم المتحدة ولا يوجد توافق دولي على هذا الامر وبالتالي يمكنك فهم اسباب الاشتباه بعمل المدعي العام، فعندما ينشر هذه المعلومات من دون تحديد المصدر يُعتقد أن المصدر كندي حيث إن كندا تعتبر حزب الله ارهابياً. هل تعتقد أن كون المدعي العام السابق والحالي كنديين ربما أدى الى ادخال بعض من العدالة الكندية على عملهما كما أشار أخيراً دانيال بلمار في مقابل صحافية؟
لقد حاولت الاجابة على سؤالك السابق بشأن حزب الله. وأنا أعلم أن حزب الله يتمتع بدعم العديد من الأشخاص الجيّدين في لبنان. وقلت كذلك انه لا يمكنني استيعاب قرار اتهام بحق حزب سياسي. فاذا كان أولئك المسؤولون عن الهجمات التي تدخل في اختصاصنا القضائي، هم أعضاء في حزب سياسي واذا كانوا قد تعلموا في مدرسة محدّدة أو اذا كانوا ينتمون الى دين أو عرق أو اي اعتبارات أخرى، فلا علاقة لذلك بالقضية. اذا دلت الاثباتات ان هؤلاء الاشخاص كانوا ضالعين بجرائم القتل التي تدخل في اختصاص المحكمة القضائي، يكون هذا ما يهمّنا. أما سياساتهم أو أي صفة أخرى يتمتعون بها، فأريد أن أؤكد كما أكدت سابقاً (…) أن كل ما يعنينا هو الادلة الجنائية. أما بشأن نصّ قرار الاتهام فلا أعلّق عليه لأنه لم يعرض أمامنا في المحكمة. وعندما وضع قرار الاتهام لم يكن هناك محامو دفاع، أما اليوم فهناك ثمانية محامي دفاع (…). وسأحسم بهذه القضية بعد سماع الدفاع والادعاء ولن أصدر أحكاماً مسبقة.

■ ان مهامكم تتضمن حسن سير العدالة، فماذا ستفعلون بشأن التسريبات (تسريبات وثائق ومعلومات التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الى وسائل الإعلام)؟
لنتكلّم عن موضوع التسريبات الذي لقي اهتماماً واسعاً في الاعلام. أولاً، ان جزءاً من العمل الفعّال والادارة المناسبة للعدالة هو الحفاظ على السرّية حيث يلزم ذلك. المحكمة مطلعة على المعلومات التي يفترض ألا تعلن الا ضمن شروط حذرة، وهذا يتعلّق بالاحتفاظ ببعض الاسماء أو التوقيت والترتيبات التي وضعت لحماية أشخاص. وكل ما يشير الى ان المحكمة أدت أو سمحت بتسريب معلومات سرية بحوزتها هو معاكس لمسؤولياتي، ومن واجبي وضح حدّ لها.
■ كيف ستقوم بذلك؟ كيف ستتابع تسريب معلومات الى «سي بي سي» الكندية من قبل أحد الموظفين السابقين في مكتب المدعي العام دانيال بلمار؟
اعتقد أنك لا تتحدث عن المحكمة بل عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة. هل أنا على حقّ؟

■ نعم، لكن مستندات لجنة التحقيق أحيلت الى المحكمة. دعني أقرأ نظام المحكمة…
لا لا لا. لحظة… قبل ذلك أريد أن أوضّح مسألة. لقد لمحت الى المحكمة والى لجنة التحقيق التي عملت قبل أن أتولى مهامي. انهما جسمان مختلفان. وأريد أن أوضح أن اجاباتي مرتبطة بالمحكمة. أما اذا أردت سؤالي عن أمور أخرى فتفضّل. أجاباتي مرتبطة بعملي بحسب المادة 10 من نظام المحكمة والمرتبطة بحسن سير المحكمة وليس بأي أمور أخرى.

■ هل تقول إن لا وجود لتسريبات من مكتب المدعي العام؟
دعني أقول… (لحظات صمت). القول إن لا تسريبات يعني أنني أعلم بكل شيء (omniscient) وأنا لست كذلك. لكن يمكنني أن أقول لقد لفتت قضية ظهور معلومات يبدو أنها سرية في الاعلام انتباهي مؤخراً. أنا … أعتقد أن الامر حصل يوم الجمعة من الاسبوع الفائت، فطلبت فوراً الاجتماع برئيس القلم والمدعي العام (نورمان) فاريل وسألتهما اذا كانت هناك أي تسريبات من المحكمة. فعرضا أسئلة يفترض طرحها على المسؤولين عن الأمن، وجاء الجواب أن لا دليل على أن المعلومات تمّ تسريبها من المحكمة. وما قيل لي هو أن المعلومات المسرّبة لم تكن فقط بحوزة المحكمة بل بأيدي جهات أخرى.

■ هل يمكنك تحديد هذه الجهات؟
نعم. كانت هناك ثلاثة مستندات سرية بحوزة لجنة التحقيق الدولية المستقلة وتم تسريبها الى العلن.

■ كيف حصل ذلك؟
لو كنت أعلم لكان باستطاعتي الاجابة، لكن قلت لك إنني لا أعلم. لست على علم بكل شيء. وقلت لك إن هذه المستندات لم تكن حصراً بيد المحكمة، لكننا حصلنا عليها من لجنة التحقيق الدولية… كانت سابقاً بيد لجنة التحقيق الدولية، وفهمت أن لجنة التحقيق الدولية لم تكن الجهة الوحيدة المطلعة على تلك المستندات. القول إن تسريب المعلومات جاء من المحكمة أمر غير مبرر (…) يفترض السؤال اذا كانت المحكمة هي الجهة الوحيدة التي كانت المعلومات السرية بحوزتها. (…) لكن دعني أقول إن مسألة التسريبات مسألة جدية، وعمل المحكمة هو عمل جدي كذلك. (…) ان التركيز على الانتقادات، وهي بحسب الادلة المتوفرة لدي انتقادات غير مبرّرة موجهة الى المحكمة من دون النظر الى الصورة المجملة لعملها، قد يدلّ على ضياع الهدف. فالهدف الحقيقي ومهمة المحكمة هي تطبيق نظامها.

■ كيف تشعر وأنت رئيس محكمة تدفع لقضاة لبنانيين في لاهاي أضعاف رواتب زملائهم في بيروت؟
يتجاوز ذلك معرفتي وخبرتي وبالتالي لا يمكنني التعليق.
انتهت المقابلة لكن قبل مغادرة القاعة اقترب نائب رئيس المحكمة القاضي اللبناني رالف رياشي من القاضي باراغوانث وهمس في اذنه، فطلب الرئيس اضافة الآتي إلى أقواله: «أخي رياشي طلب مني توضيح قضية بسيطة وهي أنني عندما قلت إن المعلومات ليست بحوزة المحكمة وحدها، اردت أن أقول إنني لا أعلم اذا كانت هذه المعلومات قد سُرّبت من لجنة التحقيق الدولية، وهذه قضية يفترض فتح تحقيق بشأنها قبل الحسم. وقلت لك إننا قمنا بالتحقيق اللازم وتبين لنا أن لا تسريب من المحكمة».

السابق
باخرتان تركيتان بلا عمولات.. وحل مشكلة الكهرباء خلال اشهر
التالي
محاسبة مستحيلة