لماذا غاب عباس عن فلسطين في يوم الارض؟

منذ اسابيع نتابع وبشغف كل ردود أفعال المسؤولين الرسميين الفلسطينيين وتعليقاتهم حول نشر موقع إخباري جريء «ان لايت برس» مسودة رسالة «التهديد» التي ينوي رئيس السلطة المنتهية ولايته محمود عباس توجيهها الى الشعب الفلسطيني، الا ان تلك الرسالة «العتيدة» ستكون من باب التضليل معنونة الى نظيره الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكان الجميع بانتظار ليعرف من «يبق البحصة»، ويكشف الحقيقة كلها امام الناس، وهم يستحقون ان يعرفوا ذلك.

ثم جاء خطاب الرئيس محمود عباس، ليس في ذكرى يوم الارض كما اعتاد الشعب على ذلك من الزعيم الراحل ياسر عرفات، بل في مناسبة ثانوية «وضع حجر اساس» في القاهرة ليؤكد كل كلمة وردت في الرسالة المسربة والتعديلات التي اجريت عليها، وقام أيضاً «ان لايت برس» بنشرها، وليضع دفعة واحدة كل ناطقيه ومتحدثيه في موقف حرج بعد ان اضطروا الى تقديم عشرات التبريرات والتفسيرات غير الصحيحة لتلك الرسالة البائسة وظروفها «الصعبة» بعد كل ما تعرضت له من إهانات مبكرة او متأخرة، وآخرها ما جاء على لسان مستشار وزير الدفاع الاسرائيلي دافيد بن حاخام والذي وصف الرسالة بأنها «تافهة» كاشفا النقاب عن استمرار كل انواع الاجتماعات التنسيقية بين الطرفين خصوصا على المستوى الامني.
لكن الخطاب نفسه حمل ما هو اهم، والأهم هنا هو ما اخفاه الرئيس ولم يصارح به شعبه، فمثلا لم يقل الرئيس عباس ان مسودة الرسالة ارسلت بيد وزارية عربية منذ اسابيع الى واشنطن، لكنه لم ينف ذلك لانه يعلم انه «السر» المكشوف، وانه تلقى الرد عليها «حماما» اميركيا باردا، ما اضطره الى ادخال بعض التعديلات وبعض التنقلات بين فقراتها، حولت نص حل السلطة باجبار اسرائيل على القيام بواجبات «الدولة المحتلة»، الى صيغة تساؤلية ليس اكثر!!!

وما لم يقله الرئيس محمود عباس في خطاب القاهرة أيضاً ان كان موقع «ان لايت برس» وغيره يكذبون بادعاء ان الرسالة تجاهلت تماماً ملف اللاجئين، وانها لا تنص باي وضوح معتاد او معقول على حق العودة لاكثر من ثمانية ملايين لاجئ فلسطيني، ناهيك عن التأكيد ان حق العودة هو «اصل الثورة» و«تحرير الارض» هما المصدران التاريخيان لشرعية حركة «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية ولقياداتها التي عاشت وتعيش كل «النغنغة» على حسابها وحساب من استشهدوا في سبيلهما، فلماذا لم يُكذب الرئيس هؤلاء وهو يصارح شعبه من بعيد؟

الرئيس تجاهل أيضاً ذكر حقيقة وجود خلافات فلسطينية حقيقية حول فكرة الرسالة، واكثر من ذلك حول مضمونها، وأيضاً حول توقيتها، فكل الفصائل الفلسطينية الرئيسية معترضة بقوة على الرسالة بكل معاييرها، فكرة ومضمونا وتوقيتا، حركة حماس وحركة الجهاد والجبهة الشعبية وحزب الشعب على الأرجح والمبادرة الوطنية وقسم لا بأس به من فتح، كلها تنظيمات وطنية فلسطينية قالت رأيها علنا في «الرسالة»، إذا باسم من يكتب الرئيس عباس؟، وباسم من يتحدث؟ وهل يمكن ان نرى المعترضين يرفعون صوتهم أخيرا؟، ام ان قوى غيبية تٌسخر للسيطرة على أفواه الجميع، ثوريين واسلاميين!!والرئيس يعلم جيدا حقيقة الاعتراضات الشعبية على «عنصر» التفجير الوحيد الذي فكر به، وهو حل السلطة واعادة الصلاحيات للاحتلال!! فكيف لرئيس يهدد شعبه بتحويل «نصف» الاحتلال الى احتلال «كامل» بهدم مؤسسة وطنية قدم الشعب الفلسطيني، واشقاء واصدقاء الشعب الفلسطيني الكثير من اجل قيامها؟ ومن المتضرر من ذلك،؟ ومن المستفيد؟ لماذا لا يفكر الرئيس في إجراءات وقرارات تكلفه بعض المخاطرة الشخصية، وتعكس الكرامة الخارقة التي يتميز بها الشعب الفلسطيني، مثل المقاومة الشعبية، او حتى بانتفاضة سلمية كاملة، ام ان ذلك كثير على المستوى الشخصي؟، ومن الأسهل هدم «المعبد» على رؤوس الجميع.

ولماذا لم يقل الرئيس لشعبه عن اسباب غيابه عن وطنه وشعبه في يوم الارض العظيم، وتفضيله البقاء في عمان، ثم إلقاء خطاب ما من القاهرة، هل كان هناك امر اهم؟، او خطر احس به الرئيس ولم يعرفه الشعب؟
والرئيس على علم كامل كذلك، بموقف شخصيات فلسطينية رئيسية حتى داخل قيادته المباشرة، فلمن لم يعلم بعد، ولمن يضلل بالتسريبات المقصودة، فان تركيبة الوفد الثلاثي المقترح على الجانبين الاميركي والاسرائيلي لتسليم الرسالة هو، الدكتور سلام فياض رئيس الحكومة المستقيلة، السيد ياسر عبد ربه امين سر اللجنة التنفيذية، والدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين، واثنان من هذا الوفد الثلاثي لديهم تحفظات عميقة حول الامر كله، حتى وان خرجوا علينا تحت الضغوط الأمنية والرئاسية بغير ذلك من كلام وتصريحات.

الرئيس تحدث أيضاً عن «الانقلاب» على الشرعية الفلسطينية في العام 2007، وصمم على وصفه ذلك، وهو يتحدث عن احداث غزة المؤسفة والدامية، ولم يكشف الرئيس النقاب عمن ورط حركتي «فتح» و«حماس» في تلك الاحداث الدامية، ولم يذكر شيئا عن مسلسل طويل ومعقد من الاجتماعات والتحضيرات الأمنية والمالية والسياسية اعدادا لذلك الانقلاب، ولم يذكر شيئا عمن كان يطلب « فجير» سيارات مفخخة في قطاع غزة، لكن الرئيس لا يعرف كم من تلك المعلومات الموثقة موجودة لدى غيره!!
أخيرا، فاخر الرئيس عباس بالديموقراطية الفلسطينية، حتى كاد المرء ان يتخيل انه امام الشهيد المغدور ابو عمار وهو يفاخر «بديموقراطية غابة البنادق»، لكن ديموقراطية الرئيس عباس تعني ودون الحاجة لأي تفسير، ليس حكم رجل واحد فحسب، بل حكمه هو شخصيا، بالسيطرة الكاملة على كل المواقع القيادية الاولى السياسية والتشريعية والتنفيذية والقضائية والنيابية والعسكرية والأمنية والتفاوضية، الداخلية والخارجية، بشرط ألا يخضع لأي حساب من اهل الارض مهما كان شأنهم، والمأساة الموجعة، انه قد ينال ذلك واكثر في زمن «القحط» هذا.

السابق
البابا الى لبنان في ايلول: تاكيد على ارتباط مصير مسيحيي الشرق الاوسط بمسلميه
التالي
جورج غانم مستشاراً سياسياً للرئاسة