لعبة المشنقة في ميزان العدالة

في اللحظة التي استرجع فيها القاضي حاتم ماضي رواية المحكوم بالإعدام بسام المصلح الذي أدين في العام 1993، باغتصاب طفلة في السابعة من العمر ثم قتلها واغتصابها مجدداً بعد وفاتها، اتسعت عيون معظم الجالسين في القاعة وساد الصمت التام.
اعتذر رئيس محكمة التمييز الجزائية الذي كان محامياً عاماً استئنافياً عند وقوع الجريمة عن العبارات القاسية التي استخدمها في وصف التفاصيل. لكن أحد الحاضرين الذي رسم المشهد في مخيلته، كمعظم من كانوا يستمعون للرواية، لم يتمكن من ضبط غيظه فعلّق بصوت عال: «الإعدام قليل عليه».

طلب أحد طلاب كلية الحقوق في «جامعة الحكمة» التي كانت جلسة المناقشة من تنظيم «العيادة القانونيّة لحقوق الإنسان» فيها الكلام. سأل الحاضرين: «إذا انتشرت في الجسم البشري خلية سرطانية فماذا نفعل بها؟»، ثم أجاب: «نستأصلها بالتأكيد». ذهب الحوار إلى مكان آخر قبل أن ينبري في وقت لاحق طالب حقوق آخر للرد على زميله المتأثر بثقافة «الاستئصال» تحت العنوان «الطبي» نفسه. سأل زميله: «هل نزيل كل شخص مصاب بمرض من المجتمع أيضاً؟». فلقيت إجــابته تضامن عدد من الحاضرين ترجموه تصفيقاً متتالياً.ليس طلاب كلية الحقوق أو الحاضرون وحدهم من انقسم في الموقف تجاه عقوبة الإعدام. «حماة العدالة» أنفسهم انقسموا حول تطبيق هذه العقوبة. القاضي فادي العنيسي جاهر برأيه علناً، وبشكل صارخ، حين قال: «إذا لم يأخذ لي القضاء حقي آخذه بيدي». الإجابة المستغربة لقاضي التحقيق في بيروت لقيت استهجاناً وصدمةً على مجموعة من الوجوه. استدرك العنيسي لاحقاً: «حتى في بلد مثل السويد يفكرون بإعادة تطبيق عقوبة الإعدام».
عاد الكلام إلى جون القزي، القاضي صاحب الاجتهادات في قضايا الأحوال الشخصية لا سيما الزواج المدني وإعطاء اللبنانية المتزوجة من أجنبي الجنسية لأولادها. طلب من الحاضرين أن يسألوا أنفسهم إذا ما تعرض قريب لهم لجريمة بشعة فهل يستطيعون أن يتحملوا الفجيعة في مرحلة أولى، ثم يتعالوا عن جرحهم، ليقبلوا لاحقاً بتطبيق عقوبة الأشغال الشاقة بدلاً من الإعدام.

الرئيس سليم الحص صاحب الموقف المعروف برفض توقيع مراسيم إعدام عندما كان رئيساً لمجلس الوزراء حضر «معنويا» أيضاً. نقل عنه ماضي أنه قال يوماً «لو خيّرت بين أن أكون قاتلاً أو قتيلاً لاخترت أن أكون قتيلا».
وقد وصل عدد المحكومين بالإعدام في لبنان منذ العام 1947 حتى اليوم إلى 48 محكوماً. وكان آخر هذه الأحكام ذاك الذي نفذ في السابع عشر من كانون الثاني من العام 2004 بحق كل من بديع حمادة وريمي زعتر وأحمد منصور في الباحة الداخلية لسجن رومية.

جمعية «ألف» التي شاركت في تنظيم جلسة الحوار أمس الأول وزعت ملصقات وأزرارا تحمل رسماً للعبة «المشنقة». اللعبة التي يلعبها الأطفال بالورقة والقلم بحثاً عن «الكلمة الخفية». وتنص اللعبة أنه كلما أضاع اللاعب حرفاً من أحرف الكلمة الخفية بات أكثر قرباً من الوصــول إلى الإعدام. فإمـــا يصل إلى أحرف الكلمة قبل انتهاء الرســم فيربح أو يتـــعرض للشنق قبل الوصول إلى الكلمة فيخسر اللعبة.
تنتهي «مشنقة» الملصق بإعدام اللاعب مع ظهور الكلمة الخفية المكونة من ستة أحرف وإجابتها: «مش لعبة». ليبقى السؤال الذي طرحه القزي مفتوحاً. هل نقبل بتطبيق الأشغال الشاقة أو لا نقبل؟ هل نربح أو نخسر؟  

السابق
اعتداء جنسي علـى تلميذ روضة
التالي
دو كيزير: فشل خطة أنان سيؤدي إلى تصعيد العنف