شكراً بري…هل استقال سليمان؟ 

يبدو أن قصة ميشال سليمان مع مرسوم الـ 8900 مليار، وبالتالي مع المادة 58 من الدستور، لن تمر مرور الكرام.
أساسها بات معروفاً. مضى على تلاوة المرسوم المعجل المكرر في المجلس، أكثر من 40 يوماً، بلا نتيجة. وبالتالي بات من صلاحية رئيس الجمهورية، بموجب المادة المذكورة، إصداره بمرسوم، بعد موافقة مجلس الوزراء. لم تكن المسألة كميناً منصوباً بالسر لأقلية هنا أو لسلطة دستورية هناك. فطوال الأيام الأربعين، سمعنا ثلاثة وزراء يُسألون مباشرة على الهواء، عن هذا الاستحقاق وعن مفاعيله، بلا جواب. والمسألة لا تتعلق بصراع بين فريقين سياسيين، بل تتناول واحداً من الأساسات الجوهرية والمزدوجة لدستور الطائف، ميثاقياً وتنظيمياً.

فمن الناحية الميثاقية، دأب المسيحيون منذ عقدين ونيف على القول إن الطائف همّش رئاسة الجمهورية، وإنه نزع منها صلاحيات ضرورية للمشاركة الوطنية، وإنه جعل من الموقع المسيحي الأول في النظام التشاركي اللبناني موقعاً شكلياً. فإذا صار لزاماً أن يكون رئيس الجمهورية توافقياً، لا يختاره المسيحيون وحدهم، وأن صلاحياته «مدجنة» كي تتناسب مع هذه الصفة، فأين يصبح مكان المسيحي الأقوى في السياسة؟ وزيراً في مجلس الوزراء؟؟ إلى آخر معزوفة «النق» المسيحي منذ اكتشاف هذا الطائف، أكان سورياً زمن ترويكا خدام _ كنعان _ الحريري، أو يوم صار «استقلالياً سيادياً» مع ميشال سليمان.

فجأة، يظهر للمسيحيين أنفسهم أن للرئيس الذي نعوه وتباكوا على تبخر صلاحياته، صلاحيات أخرى لم تتبخر. لكن الرئيس «الطائفي السيادي الاستقلالي»، هو من يبخرها. فهو من يلغي صلاحية دستورية أساسية له حين يمتنع عن الذهاب بإدارة جلسة لمجلس الوزراء إلى التصويت، كما نص الدستور في مادته الخامسة والستين، فقرة 5، كما فعل ميشال سليمان أكثر من مرة في حكومة الحريري، حتى سقطت. والرئيس نفسه هو من يلغي صلاحية أخرى أساسية له أيضاً، حين يمتنع عن دعوة مجلس الوزراء استثنائياً، بالتشاور مع رئيس الحكومة، كما تعطيه الحق المادة 53 من الدستور، الفقرة 12، كما فعل ميشال سليمان عندما أعلن رئيس الحكومة تعليق عمل مجلس الوزراء. والرئيس نفسه هو أيضاً وأيضاً من يلغي صلاحية دستورية جوهرية له، حين ينأى بنفسه عن معاهدة دولية أقرت بلا علمه ولا رأيه ولا مفاوضته، كما تفرض المادة 52 من الدستور. وهو ما فعله ميشال سليمان كذلك في موضوع المحكمة الدولية، يوم اكتفى بـ«أخذ العلم» بالتمديد لها…

وما يجدر التذكير به هنا أيضاً، أن المسيحيين يوم هُزموا في حروبهم، وقرروا تبرير الطائف بهزيمتهم بالذات، طبلوا الدنيا بالقول إن صلاحيات الرئيس في دستور الجمهورية الأولى، قبل الطائف، كانت مجرد حبر على ورق، بدليل أن رئيس الجمهورية طوال عهود الاستقلال لم يمارسها قط. فهو لم يُقل رئيس حكومة، ولم يعين وزيراً ولم يقله، ولم ولم… وبالتالي فالتخلي عن تلك الصلاحيات بموجب الطائف لم يكن غير تأكيد المؤكد. اليوم تخرج من عند ميشال سليمان أصوات تقول إن صلاحية المادة 58 الجديدة من دستور الطائف لم يمارسها رئيس منذ وجودها قبل 22 عاماً… فهل هذا أول الطريق لتبرير هزيمة جديدة أو «جمهورية ثالثة» لا يبقى فيها من الرئاسة، حتى ميشال سليمان؟؟

لكن الأهم من الميثاق، هو الشق العملاني الدستوري لتلك الصلاحية. فالمادة 49 من دستور الطائف تقول إن «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور…»، ما معنى ذلك؟ هل هو مجرد إنشاء وحشو لغوي في مقام دستوري؟ قطعاً لا، لكن كيف يكون الرئيس رئيساً للدولة؟ وكيف يسهر على احترام الدستور؟ والدولة هنا سلطات محددة ومكوننة. ففيها التشريعي والإجرائي والقضائي. رئيس الجمهورية، بموجب الطائف، هو رئيس لكل من تلك السلطات. وهو من يسهر على عملها، وينظمه، والأهم أنه يضبط انزلاقاته وشطحاته. فحين تشطح سلطة قضائية، للرئيس أن يمنح العفو الخاص، تصحيحاً لأي خطأ مادي أو إنساني أو نصي عند القوس. وحين تشطح سلطة تنفيذية، للرئيس أن يعيد مرسوماً، أو يقترح من خارج الجدول. وحين تشطح أو تتعطل سلطة تشريعية، للرئيس أكثر من صلاحية، بدءاً بتوجيه الرسائل إلى مجلس النواب، مروراً بتجميد عمل المجلس موقتاً، وصولاً إلى رد قانون، وانتهاءً خصوصاً بالمادة 58، كي لا تشل الدولة كاملة.

في مجلس الوزراء قبل يومين، كانت الصدمة الكبرى: وزير ماروني من حصة ميشال سليمان، لا يعرف أن ليس على الحكومة القرار في موضوع تلك المادة. فيما وزير شيعي ممثل لرئيس مجلس النواب، يؤكد أن ممارسة رئيس الجمهورية لتلك المادة، للمرة الأولى منذ الطائف، ضرورة للانتظام العام للميثاق والدستور وعمل الدولة. شكراً نبيه بري. هل استقال ميشال سليمان؟ 

السابق
دَبْش… فتوش
التالي
جعجع وكرم