دَبْش… فتوش

"طَبَقَ" وزير الدولة نقولا فتوش في كل كسارات لبنان، لكن المحادل "الفتوشية" وصلت إلى السجن حين حاول في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة أن يُطبِق خططه الكاسرة على وزير الداخلية، فما فلح، وجاء الردّ عليه قاسياً بما مفاده "أن يلتزم فتوش القانون في موضوع الكسّارات قبل أن يحاسب الآخرين".

عجلة "كسارة" فتوش التي تسير حامية على غير هدى، تزيل عقبات من عيار الصخور و"الدّبش" والأتربة والرمول.. "نيال" حكومة السلاح بكسارات فتوش، فقد أغرته بجائزة ترضية قبل سنة فحصل على منصب وزاري أعاده الى السلطة، ثم وقّع قبل فترة مرسوم بدل النقل بالوكالة عن الوزير "المرفوض" شربل نحاس من دون أن يعرف اللبنانيون الجائزة التي حصل عليها في المقابل. ومهنة "الوكالة" ليست جديدة على معالي فتوش، فقبل كل تلك الفترات، كان "يفرم" البندورة السياسية في طبق السوري، ثم يقطّع الخيار السياسي في طبق لبناني وكل المكونات منكّهة بمرّ كلامه حيناً وحلوه المطعّم حرّاً أحيانا.. كيف لا، وقصص كساراته ما عادت خافية على أحد، ماكيناتها "قطّيعة" وتبدّل ألوانها كالحرباء المتنكرة.وفتوش أصلا أقلع من المقالع ولم يقلع عنها، فكان له دور بارز في المخطط التوجيهي، حيث مدّد عمل المقالع والكسارات والمحافر العاملة خارج إطار المخطط بشكل مخالف للقانون وفيه هدر للمال العام.. وكان النظام السوري الذي ينهار اليوم، قد أعطاه الضوء الأخضر للإستفادة بكل ألوانها من كل الثروات التي كدّست ثرواته الخاصة مسخّراً المؤسسات الدستورية لمصلحته الشخصية.. وكان فتوش الصديق الأمين والمخلص للنظام السوري، فكان يقطع حدود الجارة على جناح الطير سابقاً الغير، مفجراً هوايته الشعرية في المتناوبين على حكم النظام السوري والعائلة الوحشية، فكتب القصائد في حافظ الأسد وخلفه بشار وكذلك في شقيقه باسل وأشهرها "عاش الباسل رجاء، وعاش البشار أملاً وإيماناً وعاش سيادة الرئيس حافظ الاسد رمزاً محيياً لكل رجاء وأمل وإيمان" .. فهل كانت مهمته معقدة في الانتقال الى ضفة أخرى؟ طبعاً لا، فالأمر ليس شاقاً على الرجل القانوني الفذّ، بعدما انتقل الى ضفة الحرية نصيراً لشهداء ثورة الأرز ومحاضرا في الإستقلال والمبادىء! وهنا وبعدما تأكّد للقانوني أفول نجم النظام السوري حملته محاضراته عن الحرية والسيادة الى جانب قوى 14 آذار الى الفوز بانتخابات العام 2009 على رأس كتلة زحلة.. وبعدما خان ثقة حزب "الكتائب" في "زحلة بالقلب"، راح فتوش يبحث، في ظل المعمعة اللبنانية، عمن يصطف في صفوفه فكان بعدها مؤيدا "للواقف" وكان دور حكومة السلاح التي حلّ فتوش طبقا "استغلاليا" عليها فائزا بمقعد وزاري من دون حقيبة. فالحقائب كلها مخبأة لعدم إمكانية صاحبها من التنقل بها من هنا الى هناك خوفاً من الأخذ.. وعدم الرد، ونظرا الى ثقل محتوياتها من الحجارة والأوراق النقدية.

كل هذه التطورات حملت وزير الدولة، التي يدوّلها بحسب مصالحه، على اختيار ألوان بعيدة عن الأبيض والأسود الواضحة، فاختار ملابس "دوبل فاس" جهة منها رمادية غامقة وأخرى رمادية فاتحة، فاتحاً الكسارات ومتربعاً في المقالع قالعاً الأخضر من أساسه ومحولاً لبنان الى شبه صحراء قاحلة. وينتقل فتوش بين الرماديين بكبسة زر هو نفسه الذي يضغط عليه لفتح السجالات في مجلس الوزراء، فـ "فاضت أريحته" وأراد لنفسه أن "يرتدي" صفات الرجل الحريص على الوطنية مفتعلاً خناقات تستوجبها الشخصية الجديدة القديمة. واعتقد فتوش أن مقعده الوزاري يسمح له بالدفاع مجددا عن النظام السوري المنهار مستذكرا الاتفاقات الثنائية بين البلدين، فما كان من وزير الشؤون الاجتماعية إلا أن ردّ بقسوة أيضا على من يريد أن "يعتّر" مواطنين من الشعب السوري هاربين من بطش الوحش الى لبنان ليرمي بهم في السفارة السورية.. في خلفية تحليلات فتوش تتقدم سياسة "تبييض الوجه" والمصالح الفردية وفي تعاطي وزير الشؤون الإجتماعية مع الملف السوري أولوية إنسانية.
ردّان حادّان استحقهما فتوش على طاولة مجلس الوزراء، غير أنّه إذا رغب في الاستمرار، وبما أنه وزير من دون حقيبة فعليه أن يكدّس حقيبته بسلاح من نوع خاص فيه حجارة من كل الأحجام والأنواع يراشق بها محدثه خلال الجلسات.  

السابق
لا تنتظروا تغييراً أميركيا
التالي
شكراً بري…هل استقال سليمان؟