الكذبة لا تقتصر على 1 نيسان

مسكينٌ الأول من نيسان. ليته يستطيع النطق فيرفض وسمة الكذب التي أُلصقت به من دون ذنب اقترفه. للكذب في لبنان يوم "رسمي" وأيام غير رسمية. اللبنانيون "يُبدعون" الكذب وتصديق الأكاذيب، بكل ألوانها، البيضاء وغير البيضاء. المبرر دائماً حاضر، لتصبح الكذبة "الثقيلة" أو "البايخة" مزحةً مقبولة و"مغفورة"، بحجة انه الأول من نيسان.

الأول من نيسان مرّ منذ أيام، فقيل في شأنه ما يلزم وما لا يلزم، في وسائل الاعلام وفي الشارع أيضاً. "نهار الشباب" لا يسأل كيف عاش اللبنانيون هذا اليوم، بل عن الوعود والمواقف التي يتعايشون معها في حياتهم اليومية، فيرون انها باتت مثل كذبة أول نيسان.
زين فياض، سائق سيارة للأجرة في العقد الرابع من العمر، يبتسم للسؤال ويبدأ بتعداد الأكاذيب من حوله. نالت السياسة نصيبها، كما حال البلد، لكن اللافت من بين "الأكاذيب" كانت ورقة اللوتو، وتحديداً "إذا مش التنين الخميس"، فالرجل ومنذ سنوات "يتكّس"، ولم يربح مرة واحدة! وللمفارقة، هو لم ييأس بعد، "ربما تصبح الكذبة حقيقة وأربح!".
سامر حدرج، طالب جامعي في العشرين من العمر، هو أيضاً مُحاطٌ بالأكاذيب: فرص العمل بعد التخرّج، الواسطة، الانتظار والأمل الذي قد لا يتحقق. ومن "الأكاذيب" التي يعيشها في حياته "بعض المواد التي نتعلمها في الجامعة"، ففي رأيه انها مضيعة للوقت، إذ يطغى على غالبيتها التنظير الذي لن يفيد عملياً بعد التخرّج.

كل يوم تقود وفاء عبد القادر (امرأة ثلاثينية) سيارتها الى العمل. المشهد الروتيني لا يتغيّر: زحمة سير خانقة ومخالفات الـ "ما هبّ ودبّ". "انه الأكذوبة بعينها"، تقول في شأن قانون ينظّم السير. تسرد وعود وزراء الداخلية التي لم تر النور بعد "ولن تراه طالما نحن في لبنان"، الذي هو، في رأيها، "أكبر كذبة تتجاوز الأيام والشهور".
ممسكاً بهاتفه الخليوي، ومتذمراً من "الكونكشن"، أعيد طرح السؤال على حبيب الهاشم، شاب في الـ 28 من عمره: ما هي الوعود أو المواقف التي باتت مثل كذبة أول نيسان؟ من دون تردد يجيب: "خدمة 3G انجاز (وزير الاتصالات نقولا) صحناوي"! يعقّب بأنها ليست فقط كذبة الأول من نيسان، بل كل الأيام باعتبار ان التكنولوجيا دخلت حياتنا، وما عاد مقتصراً الاعتماد عليها على مكان أو زمان محددين. 
ترفض أنا – ماري عيد، شابة في الـ 24 من العمر، ان نختصر اجابتها، "فالأكاذيب في هذا البلد تستأهل أكثر من تحقيق". البداية مع السياسة والسياسيين "منبع الكذب"، ثم مع مشاريع القوانين التي لم تزل حبراً على ورق. تشدد على قانون منع التدخين في الأماكن العامة، وترفض ان تظل الوعود مجتزأة أو مقتصرة على أماكن محددة من دون سواها. تتمنى لو يُمنع التدخين في المطاعم وفي سيارات الأجرة، "لأنها أكثر الأماكن التي يرتادها الشباب"، ما عدا ذلك "كذب بكذب". تعرّج على قانون حماية المرأة من العنف الأسري، وتستغرب ان بلداً يدعي الديموقراطية والحرية لا يزال يماطل في اقرار قوانين تحفظ للمرأة أدنى حقوقها في ان يحميها القانون إذا ما جار عليها الرجل والزمن معاً.
دينا يزبك، شابة في الـ 21 من العمر، تصبّ جام غضبها على وعود وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، ولا سيما حملة "Lebanon on" التي تروّج للوزارة. ترى ان هذه "الكذبة ما عادت تنطلي على أحد، والجميع بات على علم بحقيقة الأمور". الى الكهرباء، التي وصفتها بـ "كذبة العصر"، تشنّ هجوماً عنيفاً على غالبية قطاعات الدولة، من طبابة واستشفاء الى الاقتصاد، فالسياحة والزراعة، وتنتهي الى خلاصة ان "بقاءنا في هذا البلد هو الكذبة الكبرى".
سهير مطر (31 سنة) تصف الوحدة الوطنية والعيش المشترك بـ "كذبة اللبنانيين". تقول ان الشعارات "الفارغة" تملأ الساحات المتباعدة، ولكن "عند أول "خضّة" يهجمون على بعضهم البعض". ترى ان "اللاسياسة" هي الكذبة الأكبر وليست السياسة، "فلو كان هناك سياسةٌ حقة، لما وصلنا الى حال الانحطاط على كل المستويات التي نعيشها اليوم".

لأن الوضع المعيشي ما عاد يحتمل، والوعود بتحسين وضع المواطن أكذوبة ما عاد أحد يصدقها حتى المتفائلون، يرى جمال ضاهر (37 سنة) في "الليرة رح ترجع تحكي" كذبة أول نيسان. يعرّي السياسيين من ملابسهم، ويرفض إلا ان تكون كل الأكاذيب مرتبطة بهم، "لا بل هم ربّها"، فيبدي استغراباً لدى سؤاله عن أكاذيب خارج السياسة، باعتبار ان "وضع البلد بألف خير لو صدقت وعود السياسيين، أبطال الأول من نيسان".
يصف وسام الصافي (42 سنة) حملة اسقاط النظام الطائفي في لبنان بكذبة أول نيسان. يرى ان "الغاء الطائفية مستحيل في هذا البلد المصاب بالسرطان". أما في الدول العربية، فشعار "الشعب يريد" هو الآخر، في رأيه، أكذوبة، فأنّى يكون حقيقة "ولم تأتِ الثورات سوى بالمتطرفين ليحكموا، الى الفوضى وأعمال العنف"؟

تذهب كريمة عباس (34 سنة) أبعد من ذلك، فتعتبر ان الحياة برمتها هي كذبة أول نيسان "كيف لا وكل يوم أسوأ من السابق؟ لا أخلاق، لا قيم، لا احترام، لا كرامة انسانية…". تؤكد انها ليست متشائمة بل واقعية، وما كانت لتصف الحياة بالأكذوبة إلا لأنها حقاً كذلك، "أقله بالنسبة الى من يعملون ليلاً نهاراً لتأمين متطلبات العيش الكريم، وبالكاد ينجحون". أما السياسيون، فهم من "حوّلوا الحياة كذبة لأنهم كاذبون، الى درجة ان الأول من نيسان نفسه بريء منهم ومن تمثيلهم على الشعب وادعائهم الصدق والعفة وحب الوطن!". 

السابق
حزب الله يسدّ فجوات الحكومة
التالي
مجزرة بيئية بنفوق نسور البحر في صور