العالم العربي عالمان

حسمت أنظمة الحكم العربية المستبدة مسألة الصراع على السلطة لمصلحتها طوال عقود، الى أن أطاحت بعضها الثورات الشعبية العربية منذ نحو عام ونيّف. والعالم العربي اليوم هو عالمان: عالم أنظمة جديدة في طور التكوين في دول ما يسمى ب الربيع العربي. وعالم الأنظمة التقليدية القائمة منذ التأسيس والمستمرة وكأن شيئاً لم يكن. وفي العالم الأول المتمثل بالثورات العربية يدور اليوم صراع مرير على السلطة بين مكونات المجتمع بعد أن كشف سقوط الأنظمة البير وغطاه. أما العالم الثاني للأنظمة العربية الأخرى فيواجه التطورات والمستجدات التاريخية في المنطقة العربية بوسيلتين. الأولى هي التكافل والتضامن بين هذه الأنظمة والوقوف كحزمة واحدة لتحصين مجتمعاتها من العدوى. والوسيلة الثانية هي اعتماد سياسة هجومية، على اعتبار أنها أفضل وسيلة للدفاع، للتأثير على توجهات ومسار الثورات العربية بما يحول ما أمكن من حدوث تناقض جوهري بين هذين العالمين في المنطقة العربية.

صلب الصراع في أرض الثورات العربية يتمثل بالتيار الاسلامي ونواته الصلبة هو تنظيم الاخوان المسلمين الذي حقق انتصاراً في الانتخابات التشريعية لا سيما في تونس ومصر، ويليه السلفيون. وجوهر هذا الصراع هو الاستيلاء على السلطة. ويرى الاخوان أن حقهم في السلطة غير منازع ما دام أنهم قد حصلوا على هذا التفويض الواسع من الشعب، وفقاً لأبسط المبادئ في الأنظمة الديمقراطية. ويقول معارضوهم من التيارات الليبرالية والقومية واليسارية وغيرها، إن هذا التفويض لا يعكس حقيقة التمثيل الشعبي. وفي مصر يدور الصراع الفعلي على السلطة بين الاخوان من جهة، والمجلس العسكري من جهة ثانية، والجيش الذي يمتلك شركات ومصانع يديرها تقدر بمليارات الدولارات، وهو يريد حمايتها من رقابة المدنيين. وهذا هو أساس الصراع بين الاخوان والجيش في مصر.

يتصدى الاخوان المسلمون للتحديات التي تواجههم باستراتيجية من المرونة الزائدة التي تتناقض أحياناً مع صلب عقيدتهم السياسية، وذلك في سبيل استئثارهم بالسلطة. وهم، في مصر مثلاً، أكدوا مواربة وتصريحاً تمسكهم بمعاهدة كامب ديفيد للسلام مع اسرائيل، وهو ما يتناقض مع أدبياتهم السياسية التي ترفض أصلاً قيام الكيان المغتصب على أرض فلسطين. وفي تونس تخلوا عن اعتبار الشريعة كمصدر أساسي للتشريع في الدستور الجديد، وهو ما يتناقض مع دعوتهم طوال عقود لقيام حكم الشريعة على اعتبار أنها دين ودنيا. ودخلت القوى الغربية على خط هذا الصراع من خلال السياسة المتبعة في هذا الشأن في أميركا وأوروبا. وفتحت الادارة الاميركية خطين متوازيين للتعاون مع كل من الاخوان من جهة، واالمجلس العسكري من جهة ثانية، وتخوض معهما مساومات لتأمين مصالحها أولاً، وتوفير انتقال سلمي للسلطة ثانياً… وهذا الواقع يثير الهواجس في المنطقة الخليجية، وهذا له حديث آخر.  

السابق
أسئلة جورج بوش…
التالي
أسماك فاسدة في صور