لماذا مهاجمة عون واجب وطنيّ؟

يحلو لبعض السياسيّين والكتّاب الطوباويّين انتقاد أيّ مواجهة سياسيّة بين القوى المسيحيّة على قاعدة أنّ هذه المواجهة تنعكس على أجواء "المصالحة" فيما بين هذه القوى وتؤدّي إلى إضعاف دورهم وحضورهم السياسيّين، وأنّ سلبياتها أكثر من إيجابياتها من زاوية أنّ التعدّد الذي تتميّز به البيئة المسيحيّة يشكّل مصدر غنىً لها تحوّل في ظل تراجع وضع المسيحيّين على كلّ المستويات السياسية والديموغرافية والاقتصادية وغيرها إلى عامل إضعاف إضافيّ لهذا الواقع، وبالتالي فإنّ تجنّب المختلف والبناء على المشترك يبقى أفضل السبل في هذه المرحلة.

ولكنّ ما سَها عن بال هذا البعض مسألتان أساسيتان:

المسألة الأولى تتّصل بتموضع العماد ميشال عون السياسي، خصوصاً أنّ السمة الأساسيّة للصراع القائم هي من طبيعة وطنية وليس طائفية. لا شكّ أنّ الحضور المسيحيّ داخل السلطة مسألة مبدئيّة وجوهريّة، إلّا أنّ هذا الحضور وهنَ وضعفَ نتيجة إدخال لبنان في لعبة المحاور وسياسات النفوذ الإقليمية ووضع اليد السورية-الإيرانية عليه، وبالتالي إخراج لبنان من محنته وأزمته يساهم في تصويب وتصحيح الحضور المسيحيّ داخل السلطة.

وفي هذا السياق لا يمكن التقليل من الدور الكارثي الذي أدّاه عون على هذا المستوى، أقلّه في محطّتين مفصليتين: اتّفاق الطائف الذي أدّى عدم انخراطه فيه إلى تفويت اللحظة المؤاتية لتطبيقه وتمديد الأزمة اللبنانية 15 سنة إضافية؛ وانتفاضة الاستقلال التي أدّى عدم انخراطه فيها وتغطيته لـ"حزب الله" إلى تفويته على اللبنانيّين فرصة الاستفادة من الزخم الدولي-العربي لحلّ القضيّة اللبنانية.

ومن هذا المنطلق مواجهة عون ليست تفصيلاً، فالرجل ليس زعيماً مناطقيّاً، إنّما يملك تيّاراً على امتداد الانتشار المسيحي، وساهم خصوصاً بعد تحالفه مع "حزب الله" بنقل المسيحيّين المؤيّدين له من ضفّة إلى أخرى، إذ لم يسبق أن كان خيار التحالف مع النظام السوريّ والحزب على حساب الدولة خياراً شعبيّا داخل البيئة المسيحيّة، وهذا ما أدّى فعليّاً إلى أزمة خيارات مسيحيّة لم يسبق أن وجدت بهذا الحجم، وبالتالي الصراع معه لا يقلّ خطورة وأهمّية عن الصراع مع "حزب الله"، لا بل يكاد يكون أخطر، كونه في قلب المجتمع المسيحيّ الذي انجرف إلى هذه الخيارات البعيدة كلّ البعد عن تاريخ هذه الجماعة نتيجة تراكمات و"أمراض" نفسيّة لا علاقة لها في السياسة.
فالخيارات العونيّة المستجدّة لطالما كانت خيارات أقلّوية لدى المسيحيّين وتحوّلت مع عون إلى وازنة، الأمر الذي يقتضي وطنيّاً ومسيحيّاً إعادتها أقلّوية، وذلك من خلال تركيز المواجهة مع هذه الحالة التي لا علاقة لها بالتعدّد والتنوّع داخل الساحة المسيحيّة، لأنّ التنوّع الذي يتمّ التغنّي به هو بين قوى متعدّدة تتقاطع على نفس العناوين الاستراتيجية وتتصارع على السلطة، وهو أمر طبيعي وصحّي، على غرار "القوّات" والكتائب" و"الأحرار" و"الكتلة" والشخصيات المستقلّة، فيما الصراع بين رؤيتين ومشروعين لا يخدم المسيحيّين ولا مستقبلهم، لأنّ خياراتهم واضحة ودفعوا في سبيلها أثماناً باهظة على مدى قرون، هذه الخيارات التي يمكن اختصارها بالحرّية، إذ لا يمكن أن تكون حليفاً لـحزب الله" والبعث وتكون مع الحرّية.

المسألة الثانية تتّصل بالانتخابات النيابية، وهذه الانتخابات بعرف الجميع مصيرية، ومصيريتها نابعة من كون مستقبل الوضع اللبناني، على امتداد السنوات الأربعة المقبلة أقلّه، مرتبطاً بنتائجها، لجهة إعادة تمديد الأزمة اللبنانية، وتفويت اللحظة المؤاتية مجدّداً والمرتبطة بالأزمة السورية التي أخرجت سوريا نهائيّا من كونها لاعباً داخليّا وأسقطت نفوذها بالكامل، الأمر الذي يجب توظيفه محلّياً بإعادة الاعتبار لمشروع الدولة شريطة الفوز في الانتخابات.

ولذلك، فإنّ انتصار "حزب الله"-عون في هذه الانتخابات هو بمثابة الكارثة الوطنية، والحؤول دون فوزه يتطلّب استنفاراً وطنيّاً ومسيحيّاً، خصوصاً أنّ هزيمة هذا المشروع تتوقّف على الاقتراع المسيحيّ، كون التمثيل في البيئات الأخرى نتائجه معلومة بشكل أو بآخر.

ولعلّ أيّ عودة إلى نتائج الانتخابات السابقة تظهر أنّ هزيمة عون كانت بمتناول اليد لولا قلّة الثقة بالنفس وسوء الإدارة الانتخابية، وشتّان ما بين عامي 2009 و2013 لجهة الظروف الداخلية والمعطيات الخارجية التي تصبّ في مجملها ضدّ المصلحة العونية، والكلام عن تأجيل الانتخابات يرمي بشكل أساسيّ إلى تجنب الحزب وعون هذه الهزيمة التي ستكون مدوّية.

ومن هنا، فإنّ فتح المعركة مع عون واجب وطنيّ ومسيحيّ، لأنّ خسارته هي المعبر للخلاص الوطنيّ، ولا حاجة للتذكير بأنّه لا يمكن استثمار سقوط النظام السوريّ سوى عبر الفوز في الانتخابات المقبلة.

السابق
مرجع حكوميّ
التالي
كـل عميـل وأنتم بخـير..