شعوب لبنانية بلا قيم! 

ليست المسألة في قضية فايز كرم نفسه. هو عميل، ادانته المحكمة العسكرية، بعدما تثبتت الهيئة الاتهامية من صحة اقواله الاولى والثانية والثالثة. وكل ما جرى لاحقاً محاولة ابتكار توصيف لطبيعة التواصل بينه وبين ضباط اسرائيليين، كان يعرف هويتهم وطبيعة عملهم. وما عدا ذلك كلام بكلام. وله شخصياً لا يمكن ان يقال اكثر مما قيل لكل من ادين قضائياً، او اهلياً، او ادين وهرب من تلقاء نفسه: احزم امتعتك وغادر لبنان، ليس لك مكان بيننا حتى ولو جمعت قوة الكون كله لتغطيتك، دم مقاوم لم يستشهد بعد، يغطي على كل هذا الكون. ارحل، وخفف!

المسألة هي في اللعبة السمجة التي تقف خلف منطق تسييس الامور كافة في لبنان. هي في حالة مناصري التيار الوطني الحر الذين تعاملوا مع ادانة كرم على انها قضية سياسية، واحتفلوا امس بخروجه من السجن وكأنه المظلوم بعينه.
هي مثل حالة اهالي تنورين الذين لا يريدون أن تموّل ايران وتنفذ سداً مائياً يعينهم على دولتهم التافهة، وكأن قاسم سليماني سيستغل الاشغال ويقيم قواعد للحرس الثوري الايراني على مقربة من منازل بطرس حرب وانطوان زهرة.
هي مثل حالة اهالي عكار. آل الحريري رفضوا من عشرين عاما اقامة مصنع واحد هناك يعيل الناس بشرف من دون الحاجة الى منطق الصدقة، ومع ذلك فان اهالي عكار يعتقدون أن النظام الامني السوري منعه من ذلك، وان سلاح حزب الله يمنعه الآن، وهم في الوقت نفسه، مستعدون للتظاهر الغاضب دفاعاً عن باريس -2.

هي مثل حالة ابناء الهرمل، الذين لا يتوقفون عن النزول الى بيروت للعيش في احياء مزرية، لكنهم غير مستعدين للضغط على من تناوب على تمثيلهم السياسي والنيابي من ايام صبري حمادة الى حزب الله اليوم، من اجل تحصيل مشاريع، تمولها الدولة او القطاع الخاص، عسى أن يكون فيها ما يقيهم شر البرد، من دون الحاجة الى انتظار مال بيت المسلمين يصرف بونات للمازوت.
هي مثل حالة ابناء عاليه والشوف، الذين ماتت الحياة عندهم، بينما يرفعون مع وليد جنبلاط شعار «انا احب الحياة». هم يرفضون مساءلة الرجل، ويرفضون ان يقوم بالمهمة اي آخر، ولو، بمجرد سؤال، عما جمعه الرجل من مال باسمهم، ويقبلون مع ابتسامات عريضة، وصول احدث لوحة الى قصر البيك.

هي حالة مثل حالة جنوبيين، يتفاخرون بالابنية الجميلة الكبيرة لمدارس ليس فيها تلامذة، وليس فيها ما يكفي من الاساتذة، ومستشفيات لا تستقبل مريضا اصيب بعارض قرب بابها، وجل اعتزازهم، ان نبيه بري، بدا اقوى من كميل شمعون في عزه، وكأن للأخير بقية في قومه، غير بيت جميل في السوديكو، عسى ان تدرجه وزارة الثقافة في قائمة غير المسموح تدميره.
هي مثل حالة، ابناء الضاحية الجنوبية، التي تعاني اليوم اكثر مظاهر الفوضى الاجتماعية في تاريخ اهلها، وهم يريدون للدولة ان تقوم بدورها، لكنهم غير مستعدين للحظة واحدة، ان تخرج منهم كلمة يستفيد منها العدو ضد المقاومة وحزب الله.
هي مثل حالة، انصار «المستقبل» في صيدا، الذين يريدون طي ملف خطف ابن مدينتهم محيي الدين حشيشو، لئلا تقود المحاكمات الى توقيف اشخاص من قرى قريبة، فيتهدد العيش المشترك، او انهم يرفضون بناء حديقة عامة في المدينة، كي لا تحسب لمصلحة اسامة سعد.

هي مثل حالة جمع غير قليل من الشباب المسيحي، الذي يلهث خلف سمير جعجع، واكثر ما يغريه، صور الارشيف التي يظهر فيها الحكيم مقاتلاً، وهم يبررون له كل هزائمه، لكنهم يرون فيه قديساً امضى سنوات طويلة في السجن، اما لماذا سجن، ومن قتل فهذا ليس وقته الآن.
المشكلة هنا. المشكلة في كون التسييس الجاري من قبل القابضين على روح البلاد، انتقل الى انصارهم، الى مريديهم الذين تماهوا مع زعاماتهم الى حدود غير متخيلة. وهو التسييس الذي لم يبق على مرجعية عاقلة في البلاد، ولم يبق على حد ادنى من منظومة القيم التي يمكن للمواطنين تقاسمها مثل لقمة عيشهم المرة.

المشكلة، هي في كون هذا التلاشي يمنع على اي أحد، ان يفكر في القدرة على انتاج بديل، حتى الانقلاب العسكري ممنوع حصوله، حتى روبن هود لم يجد له مأوى في جمهورية المجانين والحاقدين!
فايز كرم لم يعش لحظة في سجنه معزولاً، كان طوال الوقت يسمع الاصوات المدافعة عنه، ولم يكن هناك من اصوات اعلى تثبت ادانته، وتحرمه من الاشياء التي يعجز القضاء المسيس عن حرمانه منها.
المشكلة مع حالة فايز كرم، انها في حال تركت على ما هي عليه اليوم، ستقود الى لحظة نراه فيها من جديد على قوائم المرشحين للعب ادوار وطنية كبرى، وكأننا نقول للناس، ارتكبوا ما شئتم من الكبائر، فالله بعيد المنال، ومن على الارض يده محصورة في ابناء جلدته!.
فايز كرم…! piss off

السابق
الاخبار: عون يتبنّي النسبيّة مع لبنان دائرة واحدة
التالي
تمنيات نصرالله وتهافتاته