تمنيات نصرالله وتهافتاته

كالعادة، حاول السيد حسن نصرالله تثبيط عزائم الشعب السوري، وكالعادة ينجح في تحقيق العكس تماماً. كان خطابه يوم الجمعة الماضي متناقضاً على نحو مذهل. فهو تحدث في "يوم الارض" الذي يعتبره الفلسطينيون، وكذلك نصرالله، يوماً ضد الظلم، ومع الحق في الحرية، إلا أن الأمين العام لـ"حزب الله" اتخذ المناسبة مطية لـ"تبشير" السوريين بأن ضحاياهم الأكثر من عشرة آلاف وجرحاهم البضع عشرات آلاف ومعتقليهم ومفقوديهم الأكثر من خمسين ألفاً" ذهبت هباء منثوراً فلا حرية يمكن ان ينوعدوا بها ولا كرامة، لأن النظام في رأي نصرالله "انتصر".

قال لهم: "حل ثاني ما في"، لأن التدخل الخارجي "انتهى" وارسال قوات عربية "فشل" وتسليح المعارضة "تجاوزه المناخ الدولي" كما "تجاوز إسقاط النظام" لأن الوقائع الميدانية دحضته، وباللحظة التي جاء فيها كوفي أنان ولم يستند الى قرارات الجامعة العربية تأكد أن المطالبة بتنحي الرئيس السوري قد طويت، بدا نصرالله بالغ التعجّل، فالأهم عنده سيطرة النظام وليس وقف القتل، وعلى أساس هذه السيطرة يتصوّر "الحل السياسي" بل يكاد يؤكد أن
النظام سيتمكن من فرض هذا الحل مستنداً الى قبضته الأمنية.
كان نصرالله مغتبطاً بأن توقعاته أصابت ونصائحه بالحوار صحّت. لكنه يعرف أكثر من سواه أن شيئاً مما قال انه انتهى قد انتهى فعلاً رغم أنه نسي أن عاماً ونيفاً مضى قبل أن يتمكن من عرض استنتاجاته هذه، مازجاً تحليلاته بتمنياته، بل مغلّباً التمنيات التي تتوافق مع مصلحة إيران و"حزب الله" لا مع مصلحة سوريا وشعبها. وليس معروفاً
عن أي حل سياسي يتحدث، فهو سياسي محنّك ويدرك طبعاً أن عناصر الحل لم تتوفر بعد، إلا إذا كان يقيس الحدث السوري بنتائج ما فعله في بيروت في 7 أيار 2008، أو بالحل "الكوميسيوني" المكشوف الذي دعمه حزبه لإنهاء الخلاف الكهربائي بين حليفه العوني ورئيس حكومته.

في مقابل انغلاق "حزب الله" على تبعيته الايرانية – السورية، وتوسل هزيمة الشعب السوري، نجد في بيروت أيضاً أن حزب "القوات اللبنانية" الذي كان عنواناً لـ"الانعزالية" ينفتح عربياً، فيستقبل في مهرجانه الأخير اصواتاً من مصر وتونس وليبيا وسوريا، عواصم "الربيع العربي" الغارقة الآن في صعوبات وألغام ما بعد عهود الاستبداد. في مراحل سابقة ارتبط اسم سمير جعجع بـ"تهجير المسيحيين" في لبنان، واليوم صار يدعو
مسيحيي الشرق الى الثبات في أرضهم، ويميّز بين الاسلاميين التكفيريين كظاهرة محدودة وبين مسلمين معتدلين هم الأكثرية. أصبح صوت جعجع مسموعاً
أكثر، لأنه ببساطة انحاز الى ربيع الشعوب لا الى خريف الطغاة.

السابق
شعوب لبنانية بلا قيم! 
التالي
السفير: مشروع الإيجارات الجديد: المستأجرون القدامى إلى الشارع!