السفير: مشروع الإيجارات الجديد: المستأجرون القدامى إلى الشارع!

.. كأنه لا يكفي غالبية اللبنانيين ما تعانيه من انكشاف لأمنها الحياتي في ظل تفاقم الازمات الاقتصادية والاعباء المعيشية، على اختلافها، حتى جاءت طلائع مشروع قانون الايجارات لتهدد بانفجار اجتماعي خطير.
وأخطر ما أقر من المشروع حتى الآن في لجنة الادارة والعدل النيابية، التي تجتمع اليوم، انه يقضي على ما تبقى من طبقة متوسطة مترنحة، و«يلتهم» شريحة الفقراء التي تستظل بسقف يسترها، حتى وُصف بانه مشروع تهجير جماعي، يراد منه توسيع الفجوة الاجتماعية بين اقلية متمكنة وأكثرية متألمة، فيما ذهبت بعض الاستنتاجات الى حد اعتبار المشروع خدمة لشركات عقارية، تبني الأبراج والمشاريع السكنية الضخمة.
ولعله من المفيد الاشارة الى ان هناك حوالى 140 ألف عقد إيجار قديم، سارية المفعول وتعود الى ما قبل العام 1998، وبين المستأجرين القدامى ثمة نسبة كبيرة ممن ينتمون الى فئة ذوي الدخل المحدود جدا، ودون المحدود، أي ان عشرات آلاف العائلات بالكاد تستطيع تسديد قيمة الإيجار القديم الحالي، بل بالكاد تستطيع تأمين لقمة العيش في ظل الظروف الحياتية الصعبة، فكيف لها تحمل أثقال البدل الجديد المقترح؟

ووفق الآلية المقترحة في المشروع، فإن زيادة متدرجة وتصاعدية ستدخل على قيمة الإيجار، كل عام بدءا من تاريخ نفاذ القانون، ولمدى ست سنوات، حتى يصبح البدل القديم للإيجار موازيا للبدل الرائج، علما بأن الفارق القائم بينهما حاليا واسع جدا، ولا يمكن لغالبية المستأجرين ان تتحمل أعباءه. وفي حال لم يستطع المستأجر تسديد المتوجب عليه يكون بمقدور المالك، وفق المشروع، إلزامه بترك المسكن.
والغريب ان المشروع المطروح يتراجع عن القانون الحالي لناحية التعويض على المستأجر، إذ انه يحصر دفع التعويضات بهوامش ضيقة جدا، كما ان الصندوق المقترح لمساعدة المعدمين على دفع فارق بدل الإيجار يتضمن ضوابط تحد من نسبة المستفيدين منه.
وإذا كان المستأجرون القدامى هم ضحايا المشروع المتداول، فإن المالكين يعتبرون انفسهم مغبونين، بسبب تدني قيمة الإيجار الذي يتقاضونه منذ سنوات طويلة قياسا الى مستوى غلاء المعيشة، لكن معالجة الظلم اللاحق بالمالكين لا يجوز أن تتم عبر التسبب بظلم آخر للمستأجرين وإلغاء الحقوق المكتسبة لهم.
وأمام المخاطر المحدقة، علمنا ان الهيئات واللجان المعنية بحقوق المستأجرين ستعقد اجتماعا بعد ظهر اليوم لدرس الخيارات المتاحة في مواجهة المشروع، وسط اتجاه نحو تصعيد التحركات الاحتجاجية وزيادة الضغط على مجلس النواب لمنع تمريره. وتردد ان من بين الأفكار المطروحة للتصعيد الاعتصام ونصب الخيم في شارع الحمراء، باعتباره العصب التجاري والاقتصادي الذي يمكن من خلاله إيصال الرسالة بسرعة وفعالية.
وفي سياق متصل، قالت مصادر نيابية لـ«السفير» ان المشروع الذي تدرسه لجنة الادارة والعدل من شأنه ان يهجر أعدادا كبرى من الناس، منبهة الى انه سيرمي الكثيرين من المستأجرين القدامى في الشارع وينزع عنهم ورقة التوت السكنية.
وأعربت المصادر عن اعتقادها ان هناك جهات معينة من أصحاب المصالح تقف وراء هذا المشروع، ملمحة الى انه يحقق مكاسب لشبكة مالية – سياسية. واعتبرت ان من واجب النواب التصدي له ومنع إقراره، حفاظا على كرامة شريحة واسعة من الناخبين الذين أوصلوا ممثليهم الى مجلس النواب ليدافعوا عن حقوقهم، وليس لينتهكوها.
وعليه، فان مجلس النواب امام مسؤولية كبرى للحؤول دون المضي في ارتكاب «مجزرة اجتماعية» ستترك تداعيات عميقة على التركيبة اللبنانية، ديموغرافيا وسكانيا، إضافة الى الانعكاسات الاقتصادية والمعيشية، في مرحلة لا تحتمل إرهاق اللبنانيين بمزيد من الأعباء والضغوط.. إلا إذا كان هناك من يستسهل اللعب بقنبلة موقوتة، قد تنفجر في أي لحظة وتبتر أصابعه.

شياطين التفاصيل
وفي تفاصيل الجزء الأول المُقر من مشروع قانون الإيجارات، والتي تكمن فيها الشياطين، انه يمدد الايجارت لمدة ست سنوات، لكنه لا يعطي مهلة للبدء بتطبيق الزيادات، ويُدخل القضاء في تحديد بدل المثل اذا لم يحصل اتفاق بين المالك والمستأجر. ويزيد بدل الايجار القائم، بتاريخ صدور القانون وفي السنة التمديدية الاولى التي تليه، بنسبة 20 في المئة من فارق الزيادة بين بدل الايجار القائم وبدل ايجارالمثل (الرائج).
ويتضمن المشروع زيادة على البدل بشكل تراكمي، وبنسبة غلاء المعيشة المحقق وفقاً لمؤشر غلاء المعيشة الذي يصدر عن المديرية العامة للإحصاء المركزي، على ألا يتجاوز سنوياً نسبة خمسة في المئة. وتحتسب الاضافات الناتجة عن زيادات غلاء المعيشة المتراكمة، على ان يصبح عقد الايجار حرا في نهاية السنة السادسة.
وبعد السنة السادسة، اذا رغب المستأجر في البقاء في المأجور، فهو ملزم بعقد لثلاث سنوات فقط ولمرة واحدة. ويضاف على العقد الحر في هذه الحالة، منذ السنة الاولى، خمسة في المئة من قيمة بدل المثل وملحقاته كزيادة اتفاقية.. وهذه «الزيادة» هي اقرب ما تكون بدعة في العقود، تحمّل المستأجر اعباء اضافية.

والأسوأ من كل ذلك هو نسبة الـ7 في المئة، الواردة في المادة السادسة والتي على اساسها يحدد بدل المثل، وهذه نسبة كبيرة جدا، نظرا لارتفاع اسعار الابنية منذ سنوات، حيث ان أي شقة يتراوح ثمنها في بيروت وضواحيها بين 120 و150 ألف دولار، بمعنى ان بدل ايجارها السنوي لا يقل عن سبعة آلاف و140 دولارا، او عشرة آلاف و500 دولار. فمن يستطيع من المستأجرين القدامى ان يدفع، اذا كان الحد الأدنى لراتبه 800 ألف ليرة مثلاً؟
ويتضمن المشروع نوعين من الاسترداد، «للضرورة العائلية» او «لسبب آخر» لم يحدد هذا السبب. في الحالة الاولى يترتب للمستأجر تعويض لا يتجاوز بدل ايجار اربع سنوات، وفي الثانية يترتب له تعويض لا يتجاوز بدل ايجار ست سنوات، ويتناقص التعويض نسبياً مع المدة التمديدية المتبقية.. وهذا يخالف ما تطالب به لجان الدفاع عن المسـتأجرين من بدل إخلاء وهو 40 في المئة من ثمن المأجور .

السابق
تمنيات نصرالله وتهافتاته
التالي
محمد الصدّيق في اسطنبول للانضمام الى المالح والقضاء على الاسد بفلاش ميموري !!