أصدقاء سورية حقاً هم أصدقاء ثورتها

اختلفت التقديرات بعد انعقاد المؤتمر الثاني لأصدقاء سورية باسطنبول، فهناك من قال إن المؤتمر تخاذل واختبأ وراء كوفي انان ونقاطه الستّ. وهناك من قال إنّ المؤتمر كان مفيداً لجهتين: تقدم الاعتراف بالمجلس الوطني بوصفه ممثلاً للشعب السوري – وظهور اصوات قوية لصالح دعم المعارضة بالداخل والجيش السوري الحر.
إنّ الذين ما يزالون يأملون بحصول تغيير في موقف النظام السوري – وأنا استثني روسيا والصين لأنهما مع النظام بداية ونهاية – هم إمّا واهمون، أو لا يريدون التعاطي مع المشكلة لانهم يعتبرون انفسهم غير معنيين. وإلاّ فإن النظام ومنذ اللحظة الاولى، لحظة التعامل مع اطفال درعا، ما ترك مجالاً لأحد للتوهُّم او التأمُّل. فهو مقبلٌ ومنذ عام وأكثر على قتل الناس، في كلّ مكان رفعوا فيه رؤوسهم وتظاهروا. ولو كان النظام يأمل بالبقاء سلماً وإصلاحاً لترك شيئاً للشعب السوري يمكن الحديث معه فيه. فهذا الرئيس اليمني ما مارس العنف إلا خِلسة، وعندما رأى انّ التنحّي يحفظ وحدة الشعب، ووحدة الدولة، قام بذلك. وما أخذ عليه العقلاء غير التردد والتأخُر الطويل، الذي كلّف المزيد من التشرذُم والانقسام. أما بشار الاسد واعوانه فلم يهمّهم ان يبقى لهم انصار، ولا ان يأتي وقتٌ يُضطرون فيه للحديث عن درعا وحمص وإدلب وحماه بغير لغة السلاح. وهكذا فهم منذ اللحظة الاولى أسرى رهانين: رهان الثقة بإسرائيل وحرصها على عدم التضحية بهم، ورهان «صمود» المحور الايراني – العراقي – حزب الله، كما صمد بعد القرار 1559 والقتل في لبنان والعراق، وفي الحالتين باسم الممانعة والمقاومة! وفي هذين الرهانين لا دور للشعب السوري، بل كان الدور دائماً للذين يقتلونه الآن. فقد سبق لهم ان ضربوا المقاومة الفلسطينية وضربوا الشعب اللبناني، ونظّموا مذبحة بحماه وغيرها، وشاركوا في الحرب على الشعب العراقي، وما سألهم أحدٌ عن شيء ما دامت بجهتهم مع إسرائيل هادئة، وما دام الايرانيون يعتبرون ان النظام السوري وفيٌّ لهم!

لقد كان حضور الشعب السوري الى شوارع المدن والبلدات والقرى بسورية العربية هو المُفاجئ للنظام ولإيران وروسيا.. والولايات المتحدة. وقد تحمّس الاميركيون بداية للثورة السورية، كما تحمّسوا للثورات العربية الاخرى. ثم أخبرهم اليهود انه كفى سذاجة، ولا بد من مُراعاة مصالح اسرائيل ومصالح الولايات المتحدة. فهؤلاء «سُنّة»، كما نبّههم لذلك وزير الخارجية الروسي، والسُنّة ليسوا متطرفين فقط، بل هم أكثرية، ولن يقبلوا بضمان امن اسرائيل! وما تردد هنري كيسنجر في مقالة له قبل ايام – ما ذكر فيها سورية بالتحديد – في اعتبار احداث الربيع العربي ونتائجه خطرا على اسرائيل وعلى مصالح الولايات المتحدة! وما قصَّر الايرانيون في مُلاقاة «المخاوف» الاسرائيلية والروسية من الثورة على النظام السوري، وصحيح انهم يزعمون علناً ان السبب في غرامهم بالاسد ونظامه هو معاداته لاسرائيل، ولكن حليفهم المالكي قال قبل يومين انه مع الاسد، ولماذا يسقط الاسد، فوضع بذلك نفسه حلقة في المحور الذي لم يغادره رغم مجاملاته لتمرير القمة العربية ببغداد!

لا ارى ان مبادرة انان تشكل فرصة للنظام، فهي فرصة لو كان يريد حلا سلميا او مخرجا من النظام الحالي بالسلم. لكنه لا يريد ذلك، ولذا فسيضطر انان بعد اسبوعين او ثلاثة للاعلان عن نجاح مبادرته (أي زوال النظام سلما بالتدريج!) أو فشلها (لأن النظام ما يزال يقتل الناس) – وفي الحالتين لا فرصة ولا من يحزنون.

إنّ أصدقاء سورية والشعب السوري هم الذين ما عادت عندهم اوهامٌ ولا أحلام مع النظام القاتل، ويريدون للشعب السوري الفوز بالحرية والتحرر من الرهانات الإقليمية والدولية.

السابق
أي مستقبل لمصر؟
التالي
امتعاض سوري من أرسلان