مصادرة الثورة والسلطة ؟

لا مجال بعد اليوم لتغطية التناقض بين الخطاب والفعل لدى جماعة الاخوان المسلمين في مصر. فالخطاب كان ولا يزال مزدوجاً من النوع الذي ينطبق عليه قول اللورد كراكبورن: السياسة هي حول الخداع والاستمرارية، وأحياناً حول خداع الاستمرارية. والفعل كان ولا يزال واحداً ومنهجياً ضمن سياسة الصدمات المتدرجة منذ ثورة ٢٥ يناير. ولا أحد يعرف مدى ما تحدثه الصدمة الأخيرة في مصر والعالم العربي من فعل وردّ فعل، وهي بالطبع ترشيح رجل الأعمال والقيادي خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية. هل هي بداية الصدام مع العسكر كما حدث عام ١٩٥٤ بين الاخوان وقائد ثورة ٢٣ يوليو جمال عبد الناصر أم انها من الأوراق المخفية في الصفقة المستمرة بين المجلس العسكري والاخوان برعاية أميركا منذ بداية الثورة؟ ماذا عن الرهان على الدور المعتدل للأزهر وسط اتساع التباين في الرؤية والموقف بينه وبين الاخوان؟ والى أي حد تكبر اليقظة بعدما دقت أجراس الخطر بقوة على مسامع شباب الثورة والأقباط والمجتمع المدني والتيارات العلمانية والليبرالية واليسارية والوطنية والقومية؟

الواضح بعد ترشيح الشاطر والخطوات التي سبقته وكان الفعل فيها عكس القول، هو قطع الشك باليقين حول سؤال حائر عن أجندة الاخوان. ففي شباط الماضي نشرت الأهرام حديثاً للمرشد محمد بديع أعلن فيه أننا نسعى لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة القائمة على أسس المواطنة وسيادة القانون والحرية والمساواة والتعددية، وصوغ دستور لنهضة حقيقية لمئات السنين بالتوافق بين أبناء البلاد، لا بالأغلبية. لكن المرشد نفسه قال في حديث آخر مقتبس من كلام لمؤسس الاخوان حسن البنا إننا اقتربنا من تحقيق الغاية العظمى: إقامة حكم رشيد بكل مؤسساته ومقوماته يتضمن حكومة ثم خلافة راشدة وأستاذية للعالم.
وما تأكد بالممارسة هو الخطاب الثاني. فالإخوان انتقلوا من الحديث عن ترشيح ٣٠% لمجلس الشعب الى الحصول على ٧٠% وسيطروا على مجلسي الشعب والشورى. ثم سيطروا على اللجنة التأسيسية لصوغ الدستور بعد كل الكلام على المشاركة لا المغالبة. وهم يريدون الآن رئاسة الجمهورية والحكومة. والأخطر انهم يحاولون الجمع بين مصادرة الثورة والسيطرة على مؤسسات الدولة. مع ان الوقائع معروفة. فلا هم فجروا الثورة بل تركوا شبابها في ميدان التحرير يواجهون القمع في الأيام الأولى قبل أن يركبوا قطار الثورة ويساهموا مع العسكر في تهميش شباب الثورة. ولا هم في الاندفاع للإمساك بكل السلطة يملكون البرامج المطلوبة لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والثقافية في مصر المحتاجة الى دولة ديمقراطية مدنية في القرن الحادي والعشرين.

السابق
غذاؤنا دواؤنا..نشاط لمدرسة العاملية
التالي
المؤامرة.. طريقٌ مسدودة