جرائم الشرف.. إلى متى؟

تُرتكب جرائم الشرف بذريعة «غسل العار»، فينزل بالمرأة أقصى عقاب وهو القتل. ولا يدان القاتل اجتماعياً بل يُقدّر، ويفتخر بفعلته، لأنه «ردّ الاعتبار» وأنقذ سمعة العائلة، هذا الأمر لم يعد يجوز اليوم، وما كان قبل 16-5-2011 ليس كما بعده، إذ في هذا التاريخ صادق مجلس النواب في جلسته التشريعية على اقتراح تعديل القانون الرامي الى تعديل المادة 562 من قانون العقوبات اللبناني المتعلقة بجرائم الشرف.

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى… حتى يُراق على جوانبه الدمُ …

ربما هذا المفهوم حكم لعقود طويلة عادات كثير من ابناء المناطق والأرياف في لبنان، وما زال حتى اليوم وإن بدأ بالأفول نوعاً ما بسبب تطوّر المفاهيم الثقافية والاجتماعية.

كلمات والدته لا تزال إلى اليوم عالقة في ذهن "عادل"، الذي يروي كيف "غسل العار" بقتله شقيقته، ويقول لـ"الجمهورية": "القصّة بدأت عندما جاء من كنت أعتبره أعز أصدقائي موَسوساً في رأسي: شقيقتك منى تقيم علاقة محرّمة مع شاب من قرية أخرى…، لكن رغم مراقبتي لها، لم ألمس ما يثير الشكوك في سلوكها، وذات يوم وبينما كنت في عملي جاء أحد الأصدقاء يخبرني أنه رأى شخصاً يدخل منزلنا خلسة، جنّ جنوني، وتوجّهت الى المنزل مسرعاً، والدم يغلي في عروقي".

شقيقة تتوسل

وتابع: "على رغم المسافة البعيدة التي تفصل بين مكان عملي ومنزلنا، لم أشعر إلا وأنا على عتبة البيت، دخلت لأجدها في حضن عشيقها نصف عارية، لم أتمالك نفسي فاستللت سكيناً من المطبخ، وهجمت عليهما قبل ان يدفعني عشيقها ويهرب، ولم يبق أمامي سوى شقيقة تتوسل فسارعت الى طعنها سبع طعنات متتالية، وتمكنت من الاختفاء ثلاثة أشهر، قبل ان تلقي القوى الأمنية القبض عليّ في إحدى قرى البقاع".

وأبدى عادل ندمه، لأنه وبعدما ارتكب جريمته، أخبرته والدته أن هناك عقداً شرعياً كان يجمع بين شقيقته وذلك الشاب، لكنهما كانا خائفين من رفضه زواجهما، لأن الزوج كان يعمل في جمع المعادن من حاويات النفايات والطرق، ولذلك كانا ينتظران الوقت المناسب لإعلامه بالزواج".

أضاف والدموع في عينيه: "حتى اليوم.. ما زالت كلمات أمي، وتأنيبها، وملامتها تطرق أذني "قتلت أختك يا أمي، أختك أشرف من الشرف، الله يغضب عليك، هل صار عندك شرف الآن؟"

الله لا يوفّق ولاد الحرام

فالحسرة التي أصابت عادل، ما زالت تستوطن قلب الأم الحزينة، وتستذكر ما جرى في ذلك اليوم المشؤوم وتقول وهي تمسح دموعها بيديها المرتجفتين "يومها كنت أشرب القهوة عند جارتنا، وبعد ساعة ناداني ابن الجارة، أسرعي أسرعي يا أم عادل.. رأيت رجلاً يخرج من منزلك، متجهاً نحو الكروم، وأدركت أنّ أمراً ما قد وقع، وصلت الى المنزل لأجد ثلاثة شبان على باب منزلنا، احدهم كان يصرخ: الله أكبر، الله أكبر، دخلتُ مسرعة لأجد ابنتي مضرّجة بدمائها ويداها ممدودتان الى الأمام، وكأنها كانت تتوسل شقيقها الذي كان جالساً الى جانبها، قبل أن أطلب منه الهرب..". تمسح أم عادل دمعها، وتكمل: "كانت بسمتها لا تفارق وجهها، كانت تنسيني مصائبنا… الله لا يوفّق ولاد الحرام يللي لعبوا بعقل ابني ليقتل أخته". وأضافت "ابني جنى على نفسه وجنى علينا جميعاً، والآن نحن نعيش هنا في إحدى "ضواحي بيروت"، فقد بعت منزل القرية، لأنني لم اعد أتحمّل العيش فيه بعدما قُتلت فيه حبيبة قلبي".

ذبحهما ورماهما من الطابق الرابع

ليست هي أولى ضحايا الشرف، وبالطبع لن تكون الأخيرة، فهناك الكثيرات مثل "منى" قُتلن بحجّة الدفاع عن الشرف الذي اصبح مطية لكل من يريد أن يبرهن عن رجولته، أو حتى التخلص من شقيقته، أو زوجته أو حتى والدته.

ففي العام الماضي أقدم رجل في منطقة النبعة على ذبح زوجته، بحجّة ضبطها مع عشيقها داخل المنزل، وقبلها أقدم رجل في محافظة الشمال على إطلاق رصاصتين في رأس شقيقته البالغة من العمر 27 عاماً، لأنها كانت على علاقة بأحد شبان البلدة، ولكن القصّة التي هزّت لبنان بأكمله، والتي لا زالت تثير جدلاً حتى الساعة، هي تلك التي وقعت في العام 2002 في محلة برج أبي حيدر، عندما أقدم زياد شهاب على ذبح زوجته وابنته بدم بارد، ورمى جثتيهما من الطابق الرابع.

لا يعرف ابنه م. شهاب حتى اليوم لماذا أقدم والده على ذبح والدته وشقيقته، ويلفت الى أنّ "لحظة الجريمة كانت والدتي تقف على الشرفة، بينما كانت شقيقتي في غرفتها، فتقدّم والدي من والدتي وذبحها، ودخل غرفة شقيقتي ليكمل جريمته، ثم رمى الجثتين من الطابق الرابع".

في قرانا الخطأ ممنوع

أما لـ"نسيب"، ابن الجبل، والمثقف، حكاية مختلفة مع شقيقته، فيقول "هنا في قرانا الخطأ ممنوع… لأنّ العادات والتقاليد هي التي تتحكم بمسار حياتنا اليومية، إذ إنّ مجتمعنا يفرض علينا "المشي بجانب الحائط" كي لا نقع فريسة الناس، خصوصاً أهل القرية الذين تلوك ألسنتهم سمعتنا".

ويضيف: "لم أتحمّل سماع خبر حمل شقيقتي، خصوصاً وأنها أرملة وأم لصبي، لم ألاحظ أنها حامل، ولم اعرف ذلك إلا عندما توجّهَت الى المستشفى لتلد طفلتها، بعد خروجها من المستشفى بأسبوعين توجّهت الى منزلها لأعرف سبب حملها، لكنّها رفضت التجاوب معي، وأسمعتني كلاماً لا يحتمله أي رجل، فأخذت أضرب رأسها بالحائط، الى أن فارقت الحياة"، أما الطفلة التي ولدتها شقيقتي فقد توفيت هي الأخرى. فقد عثرت القوى الأمنية على كيس، وفي داخله الطفلة التي قتلت خنقاً بعدما وضعتها والدتها فيه كي تتخلص منها وذلك قبل أن أقتلها بيومين".

جريمة شرف مركّبة

بعد أن رحل والدهم عن الدنيا تاركاً لهم الأراضي والعقارات، طمع وليد بحصّة شقيقته التي كانت تقدّر منذ 6 سنوات بـ 200.000 دولار، فأخذ يفكر في طريقة للتخلص من شقيقته، طالباً مساعدة احد أصدقائه، الى ان كان له ما أراد، بعد ان دخل صديقه ذات يوم الى منزلهم بعلم منه وهدّد الشقيقة بإطلاق النار في رأسها في حال لم تخلع ثيابها، وبعد أن تأكد وليد من إتمام المهمة دخل مسرعاً الى المنزل مفرغاً رصاصاته في جسد شقيقته، وصديقه حيث أرداهما على الفور، وبذلك يكون قد تخلص من الشاهد.

لكن ما لم يكن في حساب وليد هو ان الطبّ الشرعي اكتشف بأنّ الفتاة لا زالت عذراء، وبالتالي لا يوجد هنا ما يسمى بجريمة الشرف، وبعد تحقيقات مطولة اعترف وليد بجريمته وبالخطة التي كان اعدها مع صديقه المغدور، فصدر بحقه حكم مؤبّد، بعد ان ظنّ بأن المادة 562 من قانون العقوبات سوف تعطيه سنة سجن كأقصى حد.

لبنان في المرتبة الاولى

في لبنان، سُجّلت 66 جريمة خلال المدة الزمنية الممتدة من العام 1999 حتّى العام 2007. أمّا ما بعد هذا العام، فالرقم غير واضح بسبب غياب الإحصائيات الرسمية والتوثيقية لهذه الجرائم. علماً أن ما تم توثيقه جاء بدراسات فردية، وبدعم من منظمات غير حكومية.

وتوزعت هذه الجرائم على المحافظات الـ6، وسجلت محافظة جبل لبنان النسبة الأعلى، تليها محافظة البقاع. وكانت نسبة المتهمين من الطائفة المسلمة 71.02 ومن الطائفة المسيحية 16.7 ومن الطائفة الدرزية 7.6 وذلك وفق دراسة موسعة، ومستخلصة من الوثائق الصادرة عن الجهات الرسمية.

ضحية كل شهر

وعلى الرغم من أن لبنان يعتبر من أكثر البلدان العربية تحرّراً وتأثراً بالثقافة الغربية، إلا أنه، واستنادا إلى الأرقام التي قدّمها محامون في القضاء، فإن امرأة واحدة تقتل كل شهر من قبل أقاربها والتهمة دوماً "تدنيس شرف العائلة"، وتعتمد الأرقام على القضايا المقدمة للمحاكم اللبنانية في هذا الشأن، لكن المحامين يعتقدون بأن العدد الحقيقي هو أعلى بكثير من ذلك ومن الصعب إعطاء أي تقدير لعدد الضحايا لأن جرائم القتل هذه تختفي تحت مسميات الحوادث.

كما تبيّن الدراسة أنّ 66 محاكمة في "قضايا الشرف" امام المحاكم اللبنانية كان عدد ضحاياها 82 أي 20 % من المحاكمات كانت لمتهمين بقتل ضحايا آخرين غير الضحية المقصودة بالقتل. ما يظهر أن قانون العقوبات الذي تم إلغاؤه، في محاكمات قتلة النساء، كان فعلاً بحاجة ماسّة الى تغيير جذري في مضمونه، ما سيؤدي الى بلوغ العدالة الحقّة والمطلوبة.

الشرف بين الأسباب والأحكام

ولجريمة الشرف في لبنان أسباب عدّة تم رصدها واستندت اليها الأحكام التي اصدرها القضاء اللبناني: زواج الفتاة من خارج الطائفة ومن دون رضى الأهل 3 %، ارتكابها الزنى

1 %، عودة الفتاة في ساعة متأخرة

3 %، اكتشاف علاقة حب أو خيانة زوجية 16.7 %، طمعاً بالإرث 6.1 %، خلافات زوجية حادة 6.1 %، فض بكارة قبل الزواج 1.5 %، تحصيل شرف العائلة

25.8 %، سبب غير مبيّن 25.8 %، أسباب أخرى كوقوف فتاة مع شخص غريب أو محادثته، الذهاب الى السينما مع صديقة، قيام شاب بإهدائها أغنية في الإذاعة 10.6 %..

إجازة قانونية بالقتل

الباحثة الاجتماعية بربارة ريشا تلفت الى ان "جريمة الشرف ليست إلا إجازة قانونية بالقتل. ومن هنا لا بد من حملة توعية اجتماعية تنص على ان اي سلوك غير سويّ بحاجة الى تقويم وليس الى جريمة".

وترى ان "الرجل في مجتمعنا الشرقي يتمتع بحرية جنسية واسعة، وأن حالته الزوجية لا تضع بأي حال من الاحوال اي تحديد على فعاليته الجنسية، وعندما يتزوج الرجل فلا يتوقع منه ان يحجم عن ممارسة الفعالية الجنسية خارج نطاق المؤسسة الزوجية"، وتشير الى أن "الشخص لا يصبح مذنباً بارتكابه جريمة جنسية إلا عندما تصبح العلاقات الجنسية التي مارسها مع امراة، مفضوحة لدى الآخرين".

وتضيف: " أما بالنسبة الى المرأة فإنّ الموقف مختلف جذرياً، إذ يفترض أنّ لها علاقات جنسية مع رجل تُزف إليه شرعاً. وأنّ أنوثتها الجنسية ملك لزوجها طالما أنهما متزوجان، وفضلاً عن ذلك يجب ان تحافظ على عذريتها كاملة الى حين زواجها"، لافتة الى "ان القتل من اجل الشرف هو تقليد اعمى وجائر، ومن يعتقد ان قتل الأنثى أو ذبحها من شأنه أن يغسل العار فهو مخطئ، إذ إن فعلاً كهذا من شأنه زيادة العار الذي ستتكسر أطرافه وتتلاشى عند بوابة الحضارة القادمة".

وفي المحصلة تبقى مجموعة من الأسئلة التي ترد الى ذهننا، عن أي شرف نتكلّم عندما يقتل زوج زوجته امام المحكمة الشرعية، لأنها كانت بصدد رفع دعوى طلاق بحقه، أو عندما يلحق الزوج بزوجته التي فرّت الى منزل ذويها بسبب ما تتعرض له من عنف، و يقدم على قتلها، أو عندما يسمع لوشوشات بعض الأقارب والأصدقاء تتحدث عن سوء سلوك زوجته، أو ابنته أو حتى حبيبته؟

السابق
الضاهر: استراتيجية نشر الفوضى
التالي
النهار عن شخصية لبنانية التقت ديبلوماسياً إيرانياً: سوريا ستخرج منتصرة.. وهذه معركتنا