يوم الكذب العالمي

مَنْ منّا لم يعانِ منه، ويسقط أمام ضجيجه، من منا لم يعرفه وهو «ملح رجالنا»، وعادة يومية لدى القسم الأكبر من نسائنا، كرهناه كثيرا وعشقناه فقط في 1 نيسان، ذاك اليوم الذي تحوّل الى «يوم الكذب العالمي»، نطلق خلاله صراح ذاك الكبت من نوع آخر الذي نعيشه، فكانت «كذبة أول نيسان».
لا يختلف اثنان في هذا الزمن الرديء، بأن «الكاذب»، هو انسان سيئ ومرفوض اجتماعيا، ورغم ذلك فإن نسبة الكاذبين تزداد في عالمنا اليوم، تتعدد أسباب الكذب، وتكثر دوافعه، ولكن النتيجة واحدة، أذى معنوي وأحيانا مادي يصيب الكثيرين في مقتل، فيزداد النفور من أولئك الكاذبين.
كثيرة هي الخلافات بين الأفراد والتي تكون أسبابها الكذب وانعدام الصدق، تكثر الحكايات عن نهايات علاقات نتيجة كذبة مدوية، أو مسلسل طويل من الكذب واخفاء الحقائق، فتنتهي مسيرة كبيرة بكذبة صغيرة، فيدفع الكاذب الثمن في مكان، ليحصل على مكتسبات أخرى في أماكن ثانية.

في 1 نيسان دائما نربط الكذب بالسخرية، رغم ان الكذب آت من عالم آخر ومختلف، ما الذي يدفع البعض للكذب والبعض الآخر للصدق، هل يمكن لنا نبرر الكذب في مراحل معينة، ما هي مكتسبات الكاذب بكذبه، وهل هناك علاقة بين الكذب وجينات الانسان وهل يمكن أن يكون وراثيا، أم انه ناتج عن دوافع نفسية مرتبطة بالسلوك الاجتماعي، وهل كذبة 1 نيسان «بفكاهيتها» مقبولة اجتماعيا؟! تلك هي الأسئلة المطروحة.

يعود تاريخ كذبة أول نيسان، وكما تؤكد كل المعطيات والوثائق الى العام 1582 في انكلترا وبالتحديد الى أيام الملك وليم (ملك انكلترا) حيث انه وفي المرحلة التي سبقت هذا الزمن كان العالم يحتفل برأس السنة حيث كانت الفترة بين 25 آذار و1 نيسان تشبه الفترة بين 25 كانون الأول و1 كانون الثاني، وقد ألغاها ملك انكلترا وأصب حراس السنة في 1 كانون الثاني، فيما 1 نيسان تحول الى يوم للكذب العالمي، وعلى هذا الأساس يقول الفيلسوف العالمي مارك توين: «الأول من نيسان هو اليوم الذي نتذكر فيه من نحن خلال 364 يوما من السنة».

< النائب نديم الجميل يرفض ودون نقاش تبرير ظاهرة الكذب في السياسة، رغم تأكيده ان السياسة «كلها كذب»، ولكنه يستطرد: «إذا كانت السياسة كلها كذب في كذب، فهذا لا يعني أن نبرر الكذب، فالذي أوصلنا الى ما وصلنا إليه في لبنان، هو كثرة الكذب في السياسة وتحوّلها الى عادة».
ويشير الجميل الى ان الكذب هو أسوأ عادة اجتماعيا وانسانيا في الحياة.
ويتابع: «لا يمكن لي ان اقبلها في شريكتي لأن الكذب لا يمكن لنا أن نتعايش معه»، أما عن كذبة أول نيسان فيلفت الجميل انه لم يسبق له ان تعرّض لكذبة في 1 نيسان كما انه يرفض الكذب حتى في 1 نيسان.

< ولم يسبق للنائب زياد أسود أن تعرّض لأي كذبة في 1 نيسان، كما انه يرفض بالمطلق تلك الشعارات التي تحملها السياسة، وهي «الغاية تبرر الوسيلة»، «السياسة فن الممكن»، كما ان هذه الشعارات وبحسب النائب أسود لا تعني تبرير الكذب، ويقول: «السياسة فيها كذب بحجم كبير والسبب يعود الى ان بعض السياسيين يستهلون الكذب لانه قد يكون وسيلة سريعة للوصول والانتشار، والمشكلة ان الناس لا تحاسبهم وتعتبر الموضوع أمر طبيعي فتكبر ظاهرة الكذب في المجتمع السياسي».
ويرى النائب أسود ان الكذب في الأساس مبني على ثقافة ونمط تربية يعيشها الانسان، فمن لم يتربَّ على الكذب لا يمكن أن يكذب أبدا.
ويرفض بالمطلق تبرير الكذب حتى على الصعيد الاجتماعي.

< أما الفنان أحمد الزين فيرى ان الكذب هو من اسوأ العادات عند البشر، والكاذب لا يمكن أن يحتمل أبدا وهو انسان منبوذ، الا انه مع الأسف منتشر بكثرة في مجتمعنا، وإذا كان البعض يقول الكذب ملح الرجال، «فعندها يكون الرجل خبزو ما في ملح».
وتابع الفنان الزين: «إذا أردت الحديث عن ما تعرضت له من كذب ونفاق في مسيرتي فأنني احتاج الى صفحات كل الصحف».
ويرى الفنان الزين ان الكذب في الوسط الفني بات عادة يومية وأمر طبيعي، «بين كل كذبة وكذبة في ألف كذبة»، وسبق للفنان الزين أن تعرّض لعدة نهفات في 1 نيسان الا ان كثرة الأرقام في لبنان جعلته ينسى، خاتما بالتاكيد ان الكذب لو تحوّل الى واقع يومي ولكنه يبقى مرفوضا اجتماعيا وأخلاقيا ودينيا.

< وترى الكاتبة والباحثة سلوى خليل الأمين ان لا شيء يمكن أن يبرر الكذب حتى في 1 نيسان، وقضية الكذب مرتبطة بالتربية والاخلاق والسلوكيات التي يتربى عليها الانسان، فمن يتربى تربية صالحة قائمة على الصدق والامانة والمبادىء والقيم لا يمكن الا أن يكون صادقا وبعيدا عن الكذب.
وأسفت الأمين للأسلوب الدنيء والسخيف و«البايخ»، الذي يتبعه البعض في 1 نيسان ويؤدي في مرات كثيرة الى الحاق الأذى بالآخرين، وهي لم يسبق لها أن تعرضت لأي «كذبة في أول نيسان»، باستثناء بعض «الكذبات الخفيفة»، والتي لا تؤدي الى أي أذى.
وترى الأمين ان ظاهرة الكذب عند الشريك أمر صعب جدا ولا يحتمل، وهي لو كان شريكها يحمل صفات الكذب «ما بتقبلوا لو شو ما صار»، وتبدي ارتياحها لان زوجها هو من نفس المدرسة الاخلاقية ونفس القيم والمبادئ التي ترفض الكذب.

< وتشير الإعلامية دلال بزي الى ان الكذب أصبح مثل الخبز اليومي، وتتابع: «أصبحنا في زمن إذا لم نكن أذكياء ونعي للأشياء التي تحصل من حولنا من الصعب أن نعيش مرتاحين، وتعود الأسباب الى الأوضاع التي نعيشها ان في لبنان أو في المنطقة، والكذب في أحيان كثيرة هو نتيجة أوضاع معينة في الحياة ولكن بكل تأكيد هذا لا يبرر هذه العادة السيئة».
وتشدد بزي على ان الكذب يمكن أن يبرر إذا كان حجمه محدودا، ولكن إذا تكرر وبات عادة يومية يصبح هناك مشكلة عند الانسان سواء مشكلة مع نفسه أو مع الآخرين، ويصبح مشكلة حقيقية على الانسان الذي يعرفه، خصوصا اننا نصبح غير قادرين على التمييز بين صدقه وكذبه.
وتجزم بزي الى انها تفضّل الانفصال عن الشخص الكاذب حتى لو كانت تحبه، حتى لو شعرت بغصة نتيجة هذا الانفصال، وتختم حديثها: «ما حدا ما بيكذب بس كذبة عن كذبة بتفرق».

< سعاد فرحات (طالبة جامعية) تعود بالذاكرة الى 5 سنوات مضت حيث تعرضت لكذبة أول نيسان، تقول: «كنت في المنزل حينما اتصلت بي زميلة بالمدرسة الثانوية (كنا بالبكالوريا – قسم أول) وأبلغتني ان رفيقتنا في نفس الصف قد ماتت، عشت لساعتين بأوقات عصيبة وبكيت عليها قبل أن تعود وتبلغني بأنها كذبة 1 نيسان».
تنطلق سعاد من هذه القصة لتؤكد ان الكذب مؤذي جدا حتى في 1 نيسان، وهي ترفضه بالمطلق لانه عادة سيئة عند الناس، والانسان الكاذب لا يمكن تحمّله أبدا، والكذب مرتبط بوضع نفسي سيئ للانسان الكاذب. وترفض سعاد ودون تردد الارتباط بأي شخص كاذب مهما كانت تحبه، لأن أي علاقة بين ثنائي قائمة على الكذب لا تعمّر طويلا.

< ولا يذكر محمد فخر الدين تعرّضه لأي كذبة في 1 نيسان، لأنه في معظم الأحيان يأخذ حذره، كما انه لم يسبق، أن قام بافتعال أي كذبة في 1 نيسان، لان الكذب بالمطلق بالنسبة له عادة سيئة، رغم انتشاره الكبير بين عامة الناس في أيامنا.
ويعزو محمد سبب انتشار الكذب الى الطبع السيئ لدى معظم البشر، ودخولهم مرحلة الانتهازية وعدم وجود مصداقية لديهم، كما ان الكذب في بلدنا أصبح شطارة، وغالبا ما يصل الكاذبون الى المناصب الأعلى، وحظوظهم بالحياة هي أفضل، لذا نجد ازدياد في أعدادهم.
< ويرى الاختصاصي في علم النفس غسان قطب ان الكذب حينما يتكرر بشكل دائم يصبح ظاهرة مرضية عند الانسان، وقد تكون مرتبطة أحيانا بالتربية العائلية، فالطفل الذي اعتاد على الكذب يرافقه الأمر حتى في مراحل الكبر والعمر المتقدم، وقد يكون أيضا مكتسبا من المجتمع، ففي أحيان كثيرة سلم القيم الاجتماعية يساهم في تكوين شخصية الأفراد، والمجتمع يتحمل مسؤولية كبيرة في الكثير من الاحيان حينما يستسهل الكذب ولا يحاسب الكاذبين ولا يعطي رادع بوجههم.
ويلفت قطب الى ان الكذب ظاهرة يصعب التعايش معها إذا تكررت، وهي في أحيان كثيرة سببا رئيسيا لحالات الطلاق أو الانفصال بين أي ثنائي، لانها تساهم في خلخلة الثقة بين الطرفين ولها مدلولات مرضية وهي تؤدي في أحيان كثيرة الى مشاكل كثيرة، من هنا فإن على الأهل التنبه الى اطفالهم وتربيتهم على الصدق لانهم لو كبروا واعتادوا الكذب فإن هذا الأمر سيؤثر سلبا على حياتهم الاجتماعية وقدرتهم على التفاعل مع الآخرين.

< ولـ مي حسن (وهي أم في العقد الثالث من عمرها) رؤيتها الخاصة حول الكذب عند الأطفال، فالسبب الرئيسي الذي يدفع الطفل للكذب يعود الى خوفه من العقاب، الذي يؤدي به الى الكذب خوفا من ردة فعل الأهل، إضافة الى البيئة التي يتربى بها الطفل، فإبن الكاذب سيكون كاذب بكل تأكيد.
وتشدد مي على دور الأم في هذا الاطار، وتستشهد بالمثل الشعبي «الرجال متل ما بتعوّدي والطفل متل ما بتربي»، فالمرأة هي المسؤولة وبيدها الحل والربط. وهي المسؤولة عن كل شيء في المنزل، وهي تسرد قصتها مع ابنتها (ابنة الـ 5 سنوات) والتي كذبت عليها باحدى المرات فعاقبتها وشرحت لها مساوئ الكذب، ومنذ ذاك الحين عوّدتها على عدم الكذب مرة ثانية.

وتنتشر ظاهرة الكذب في قطاعات مختلفة ولعل أبرزها في الوسط الفني، حيث تنتشر الشائعات التي تعج بها المجلات الفنية كل اسبوع، وتتناول الحياة الشخصية لهذا الفنان أو ذاك، وبعضها يكون مؤذيا للفنان، حيث تشير بعض الشائعات الى خبر وفاة بعض الفنانين، ويتبين فيما بعد انها مجرد كلام لا صحة له. وبعض الشائعات تكون مقصودة وموجهة بغية الوصول الى نقطة معينة يريد مطلق الشائعة الوصول إليها.
العديد من السياسيين رفضوا الحديث عن الكذب لانه سيجرهم الى الدخول باتجاه صخب الحياة السياسية والتي بنظرهم قائمة على الكذب، رغم تأكيد معظمهم ان الكذب أمر مرفوض وغير مبرر.
تعددت حالات الكذب في حياتنا اليومية، ولم يعد 1 نيسان سوى مجرد رمز لذاك المصطلح الذي أخذ الكثير من أيامنا، هو متنفس لنا كي تصبح الكذبة مقبولة اجتماعيا، ومزينة بالكثير من الفكاهة، قد ينتظرنا المقلب في 1 نيسان، «المهم نعيش وما ناكل غيرها».
هناك أشياء كثيرة قد تتحقق في أول نيسان، قد تزداد رواتبنا مئة بالمئة، قد يصبح كل شيء في وطننا مثالي، الكهرباء قد تأتينا 24 على 24 ساعة، السياسيون كلهم يحترمون بعضهم البعض، لا شتائم ولا كلمات نابية، كل ذلك قد يحدث فقط في 1 نيسان، لانه يجوز في هذا اليوم ما لا يجوز في غيره.

السابق
حوري: حزب الله قادر على ابتداع الكثير من اشكال الفتنة
التالي
مسيرة لأولاد يعانون التوحّد في أسواق بيروت