هل يخوض الرئيسان معركة النسبيّة؟

ترقبوا خلافاً جديداً في مجلس الوزراء. سيحلّ النائب وليد جنبلاط محل العماد ميشال عون في الهجوم على الرئيس نجيب ميقاتي هذه المرة، والوزير غازي العريضي محل الوزير جبران باسيل في تنكيد رئيس الجمهورية. عنوان المرحلة: النسبية

لم يبقَ للنسبية أحد يذكر بوجوب اعتمادها في قانون الانتخابات، أو أقله يتحدث عنها إلا … وزير الداخلية مروان شربل. ففي ظل انشغال الناشطين في ما يعرف بالمجتمع المدني والقوى العلمانية بالقضايا الكبيرة التي تبدأ بـ«إسقاط النظام الطائفي» وتنتهي عنده، وتسلّي القوى السياسية باقتراح قانون اللقاء الأرثوذكسي، تراجع في الأشهر القليلة الماضية الحديث عن النسبية، حتى إن مجلس الوزراء نفسه نسي أنه كان يناقش القانون النسبيّ الذي تقدم به شربل، قبل أن تداهم الخلافات وزراءه. كان لا بد إذاً، يقول وزير الداخلية من رفع صوت المطالبة بإقرار النسبية مجدداً.

يجيب معاليه بنفسه على هاتفه ظهر الأحد _ خلافاً لمعظم الوزراء الذين تتعذر مكالمتهم، حتى في أيام العمل وبعد المرور بعدة مرافقين _ ليمنح رئيس الجمهورية وسام المطالبة بإقرار النسبية، ملمحاً إلى رغبة الرئيس في أن «يتوج عهده بإقرار النظام النسبي، مع ما يستتبع ذلك من تغيير في العملية الانتخابية ونتائجها، وإصلاح للحياة السياسية برمتها»، علماً بأن عودة النسبية إلى الواجهة تعيد شربل أيضاً الذي لا يملك في حقيبته الوزارية ملفاً يمكنه من لعب دور قيادي في مجلس الوزراء غير قانون الانتخابات. ويضاف إلى سليمان وشربل، الرئيس نجيب ميقاتي أيضاً الذي طلب من الوزراء في الجلسة الحكومية الأخيرة يوم الأربعاء الماضي تحمل مسؤولياتهم على هذا الصعيد، مردداً ما حرفيته: «أنا شخصياً أحتاج إلى أن أعرف من الآن وفق أي قانون ستجرى الانتخابات. لذا، عليكم أن تحددوا موقفكم لأبني على الشيء مقتضاه».

وهكذا، عقد اجتماع السبت في قصر بعبدا بمشاركة رئيسي الجمهورية والحكومة، إضافة إلى شربل والوزيرين السابقين زياد بارود وخليل الهراوي ومستشاري الرئيس ناجي أبي عاصي، أنطوان شقير وإيلي عساف. وحرص سليمان، بحسب أحد المجتمعين، على إعلامهم بوجوب إبعاد مضمون اللقاء عن الإعلام، فلم تُلتقط مثلاً الصورة التقليدية لمعظم اجتماعات بعبدا، واقتصرت التسريبات على موقف مقتضب لوزير الداخلية أكد فيه الانسجام بين رئيسي الحكومة والجمهورية في ما يخص النسبية. فيما أكد أحد الوزيرين السابقين اللذين شاركا في اللقاء اتفاق الحاضرين على وجوب إثارة الملف مجدداً في مجلس الوزراء، وبالتالي إدراجه على جدول الأعمال في أول جلسة تعقدها الحكومة بعد عيد الفصح. بعد ذلك، عرض شربل، بارود، الهراوي، شقير وعساف الخيارات المتاحة والاحتمالات المتوافرة على هذا الصعيد، من دون التوصل إلى نقاط نهائية أو واضحة، لتنتهي خطة العمل عند نقطة واحدة: إثارة قضية النسبية مجدداً في مجلس الوزراء.
وبحسب مروان شربل، ناقشت الحكومة ثلاث مرات حتى الآن القانون النسبيّ الذي تقدم به، كانت أولاها في تشرين الثاني 2011، ثانيتها في كانون الأول من العام نفسه، وثالثتها مطلع عام 2012، وافق خلالها الوزراء على ثمانين بالمئة من نقاط المشروع، مسجلين الملاحظات بشأن بعض «الإصلاحات». وحين بلغ النقاش موضوع النسبية، انشغل الوزراء بملفات أخرى. وهنا يؤكد شربل أن بين القوى التي تتألف منها الحكومة، يكاد يكون اللقاء الديموقراطي الوحيد المعارض، بالمبدأ، للنسبية.
على هذا الصعيد، يؤكد عضو اللقاء الوزير وائل أبو فاعور أن أي نقاش جديّ لم يحصل بعد بين النائب وليد جنبلاط من جهة، والرئيسين سليمان وميقاتي، أو الوزير شربل من جهة أخرى. وقد زار أبو فاعور القصر الجمهوري مساء السبت، إثر اللقاء الانتخابي، ولم يتطرق في حواره مع الرئيس إلى قانون الانتخاب، لا من قريب ولا من بعيد. ويشير أبو فاعور إلى إبلاغ وزراء الديموقراطي زملاءهم في الحكومة في كل مرة نوقش فيها قانون الانتخاب برفضهم القاطع للنسبية، إلا إذا اقترن اقتراحها بطرح إصلاحي متكامل يتضمن النسبية وإلغاء الطائفية السياسية وغيرهما، مع تأكيد أبو فاعور رفض جنبلاط المساهمة في أية تسوية على هذا الصعيد، على غرار ما حصل أخيراً بين رئيس الحكومة وتكتل التغيير والإصلاح في ملف الكهرباء.

ويتبيّن بالتالي أن هوية الأبطال في مسلسل الخلاف المستمر في مجلس الوزراء ستتغير في الحلقة المقبلة، فيحل وزراء الاشتراكي محل الوزراء العونيين في معارضة رئيسي الحكومة والجمهورية، مع ترجيح أحد المتابعين أن يؤدي الخلاف هنا إلى تصدع جبهة جنبلاط _ سليمان _ ميقاتي التي صمدت منذ نشأة الحكومة بمواجهة جبهة حزب الله _ عون _ بري. وستتغير التوازنات الحكومية بالتالي ليجاور سليمان وميقاتي حزب الله وأمل والعونيين، ليبقى الجنبلاطيين وحدهم كما حصل مع العونيين في ملف العمل سابقاً. ويشار في هذا السياق إلى التقاط سليمان وميقاتي لحظة ذكية ليظهرا وكأن النسبية مطلبهما الشخصي، لا مطلب حزب الله وحركة أمل، كما تحاول بعض قوى 14 آذار دائماً الإيحاء، في ظل تأكيد المصدر السابق نفسه أن عدول سليمان وميقاتي عن النسبية صعب جداً، فالرجلان يعملان في مجلس الوزراء وفق مبدأ «مصلحتنا الانتخابية أولاً»، وقد حققا الكثير على هذا الصعيد مما لا يمكن أن يخسراه في قانون انتخابي لا يحفظ مصالحهما. فقد خلصت كل استطلاعات الرأي التي تعدّ للمقربين من سليمان منذ بداية العام إلى أن حظوظ اختراقهم لوائح عون في جبل لبنان مستحيلة في ظل القانون الأكثري. أما ميقاتي فيمكنه بواسطة النسبية فقط أن يضمن حصته النيابية في طرابلس، بغض النظر عن تحالفاته في المدينة والأوضاع في المنطقة، هذا مع العلم بأن إقرار مجلس الوزراء قانون شربل بالتصويت متاح، لكن لن يحول ذلك دون تمكن الاشتراكيين من تعطيله مع سائر قوى 14 آذار في المجلس النيابيّ.

استرداد مجلس الوزراء النقاش في قانون الانتخاب من طاولة اللقاء الأرثوذكسي يتزامن مع اتصالات جدية حصلت على هذا الصعيد، بحسب معلومات «الأخبار» بين بعبدا وبكركي، انتهت إلى تأكيد البطريرك بشارة الراعي أن بكركي لا تحل محل المؤسسات الدستورية، وأن الهدف من اجتماعات الصرح كان التداول بالأفكار وتعزيز ثقافة الحوار بين الأفرقاء المسيحيين، لا التوصل إلى قانون انتخابي نهائي تبلغ المؤسسات الدستورية والقوى السياسية والطوائف الأخرى بوجوب اعتماده. وتمكنت بكركي بالتالي من صد هجوم اللقاء الأرثوذكسي على النسبية، عبر امتصاص الأفكار «غير الأرثوذكسية» وتكليف لجنة بكركي الانتخابية سماع مختلف وجهات النظر بشأن هذا القانون المقترح. وهو ما فعلته اللجنة وخلصت إلى نتيجة يفترض ببكركي أن تعلنها قريباً: «لا إجماع وطنيّاً على قانون اللقاء الأرثوذكسي»، وليس بإمكان الصرح بالتالي تبني قانون كهذا، مع تأكيد بكركي أنها تؤيد مبدأ النسبية.

يعود قانون الانتخاب إذاً إلى طاولة مجلس الوزراء. بإمكان النائب وليد جنبلاط أن يعدّ حنجرته لجولة جديدة من الصراخ. ويمكن الرئيسين ميقاتي وسليمان المقارنة بين ردة فعل حزب الله والتيار الوطني الحر على محاولاتهما تقويض نفوذهما، وردة فعل جنبلاط وتيار المستقبل.

السابق
في اسطنبول!!
التالي
رسالة النظام السوري إلى جنبلاط… وصلت