من نحن وماذا نحن؟

يعاني المجتمع الاسرائيلي خللا وسواسيا في الهوية. يبدأ ذلك في الحداثة حينما يكون طلاب المدارس مشغولين بتصنيف عناصر هويتهم: أيهما أنت أكثر أيهودي أم اسرائيلي؟ وما الطعام الذي تأكله؟ ويعرف كل فتى اسرائيلي قبل ان يعرف كيف يجد بولندا والمغرب على الأطلس أن يردد أنه ربع مغربي وربع يمني وربع بولندي وربع اوكراني؛ و32 في المئة اسرائيلي و68 في المئة يهودي، وأنه يحب الطعام الحارق أو لا يحبه.
لا يزال عدم السكينة في الهوية يصاحبنا عند بلوغنا ولا يسكن ذلك برغم التوقعات كلما ازدادت اسرائيل سناً. فالثقافة الشعبية تعظم الذكريات من بيت الجدة، والخطاب الاكاديمي يحتقر الرسمية الاسرائيلية لكنه مليء بالتأثر من الهويات الجماعية الدنيا. والسياسة الاسرائيلية التي تخبئ في الظاهر «الشيطان الطائفي»، تدمن على التفرقات والتفرقات الثانوية ومصابة حتى النخاع بالفئوية والعنصرية.

أخذت تطغى في السنين الاخيرة موجة الهوية اليهودية. فنحن مغرقون بالدورات التعليمية وبرامج الزعامة لاستيضاح الهوية اليهودية أكثر من اغراقنا بمؤتمرات عن اشياء ضئيلة الشأن كالصراع والعدل الاجتماعي. فأيهما أنتم أكثر أيهود أم اسرائيليون؟
قبل اسبوعين اقتبس من كلام الأديب أ.ب يهوشع في صحيفة «هآرتس» وهو يخشى سيطرة «اليهودية» على «الاسرائيلية». وهو يرى ان الصهيونية كانت اول مرة منذ الجلاء يختار فيها الشعب اليهودي مصيره بنفسه. وقد انشأت الصهيونية «جماعة حسم» وهي مجموع استقر رأيه على تقاسم شراكة وطنية وانه يستحق وطنا وانه غير مستعد لأن يُعرفه آخرون ويُدبروا تاريخه. وبحسب ما يرى يهوشع فانه منذ اللحظة التي تحمل فيها الشعب اليهودي المسؤولية عن مستقبله التزم بهذا القرار الحاسم والقرارات الحاسمة المشتقة منه ايضا مثل تحديد حدود الدولة وإبطال التجمعات الداخلية الرجعية.

كان يفترض ان يخفف قرار ان نكون اسرائيليين شيئا ما من تخبط هوية الشعب اليهودي. أفليست الاسرائيلية هي الهوية اليهودية الشاملة والأكثر تعددية ايضا، وبهذا فانها تمكن من شتى الطرق لأن تكون يهوديا. لكن ليس هذا هو ما حدث. ففي الاسبوع الماضي استقر رأي مجموعة آباء في تل ابيب على انشاء مدرسة مشتركة للعلمانيين والمتدينين لبها الاشتغال بالهوية اليهودية. وتؤيد منظمة «تساف بيوس» (أمر مصالحة) هذه المبادرة. وبدل الاصرار كما في دول سوية على تربية رسمية ممتازة للجميع – مهما تكن التفضيلات الدينية الخاصة – يريد المنشؤون انشاء مدرسة نخبة اخرى تضعف الجهاز العام وإن انتمت اليه من جهة تقنية.

بدل ان يربى على المواطنة والمسؤولية الاجتماعية وشحذ التفكير النقدي، سينشئون جيل منشغلين بالهوية يفنون سنينهم التأسيسية في اشتغال بأمور متكلفة وبأوامر مصالحة. فهل هذه هي الشحنة التي ستنشئ المفكرين والقادة الاسرائيليين الذين سيدفعون الى الأمام بالقرارات الحاسمة الحرجة التي نحتاج اليها كثيرا؟ وهي قرارات ليست دينية أو علمانية بل اسرائيلية.
من الجيد ان اصواتا كانت مقصاة ومضطهدة تبرز من القبو وتحصل على مكان في مقدمة خشبة المسرح – لأنه ينبغي عدم كنس الاضطهاد الطائفي مثل مسألة مكان اليهودية تحت البساط. لكن يجب فعل ذلك صدورا عن الاسرائيلية لا خارجها وعن المسؤولية المشتركة التي تحملناها لا بالطمس عليها.

السابق
نهاية موسم الزعماء
التالي
كذبة إبريل تتسبب في حالة استنفار إسرائيل