كيف تكسب قلب المرأة؟

وزير شاب حمل سابقاً حقيبة المالية، يقف مع صحافية وثلاثة اشخاص يرافقونهما، امام المبنى حيث ستُجرى معه مقابلة تتناول أوضاع الوطن الاقتصادية، وقبل ان يهمّ الوزير بالدخول، تقع علّاقة مفاتيح الصحافية أرضاً، فينحني معالي الوزير قبل الجميع ويلتقط المفاتيح ويسلّمها الى الصحافية مُتابعاً حديثه معها، وكأنّه، بالنسبة إليه، لم يحصل أي شيء غير عادي يستحق الوقوف عنده!

أمّا بالنسبة الى الصحافية، فلقد جعلها تصرّفه هذا، الذي ينمّ عن أخلاق سامية وتربية رفيعة المستوى، تزداد احتراماً وتقديراً لشخصيته المحبّبة المتواضعة، والتي هي أبعد ما تكون عن "التفشيخ" وتحجّر العقلية اللبنانية التي اعتادت عليها من قبل بعض الذين يعتبرون تصرّفاً كهذا يقلّل من مستواهم الاجتماعي، ويجعلهم عرضة للسخرية، وربما للاحتقار، من قبل قليلي التربية وعديمي الذوق.

في خضم الخَرق المستمر لقواعد الإتيكيت والفوضى الأخلاقية التي نلمسها في حياتنا اليومية، لا بدّ لنا ان نوجّه تحية إكبار وإجلال للأشخاص الذين يراعون مشاعر الآخرين، وخصوصاً المرأة، ويحرصون على التعامل معها بأخلاق رفيعة نابعة من تربية سليمة وشخصية ذات دعائم متماسكة. في النهاية، وكما تقول السيدة ايميه سكر: "الإتيكيت هي ان نحترم الآخر ونراعي في تصرفاتنا التوصيات الدينية التي هبطت علينا من السماء، اذ إنّ جميع الديانات تنادي بالمحبة وعدم الاغتياب والتجريح بالآخرين في حضورهم، وكذلك في غيابهم".
فأين نحن اليوم من الإتيكيت وقواعد تطبيقها في مجتمعنا اللبناني؟ السؤال موجّه، لا سيما الى مُربّي الجيل الجديد، الذي "تُحشَى" حقيبته بما هبّ ودبّ من كتب لغوية وعلمية وتاريخية وجغرافية، فيما تفتقر للمواد الأهم وهي كيف تنمَّى شخصيته بحيث "تُملأ بالتواضع الإيجابي ولا تُفرّغ بالتكبّر السلبي" الذي ينفِّر أفراد المجتمع منه. لمَ لا يُلقّن الطلاب المواد الأخلاقية منذ نعومة أظفارهم "لتَنقش" في عقولهم؟ لمَ لا يتدربون على حسن التصرّف في المجتمع وضبط النفس؟ وكيف لنا ان ننسى الحادثة التي تسبّبت بشَلل شاب مهندس في السادسة والعشرين من العمر، وما يزال منذ سنين طريح الكرسي المتحرّك، كونه رفض تمرير أحد "الشبّيحة" معترضاً طريقه بسيارته الجيب، فما كان من "الشبّيح" إلّا ان اطلق النار عليه، فاستقرّت الرصاصة في عمود المهندس الفقري… فيما سُجن المعتدي، وبذلك تحطّم مستقبل الشابّين معاً!

لمَ لا يتلقى التلامذة الصغار أصول الإتيكيت وقواعد السلوك الحسن، البعيد عن الزيف والتكلّف، لينجحوا في إقامة علاقات ودية ترتكز على دعامة متينة من الأخلاق والمناقبيات تساعدهم في بناء مستقبل ناجح؟ مَن منّا لا يسأل، بعد إجراء مقابلة مع نائب، مثلاً، او فنان او اي شخصية مشهورة: "كيف هي شخصيته عن قُرب؟" فتكون الإجابة: "كان فظاً للغاية ولا يراعي أصول التعامل أو قواعد الإتيكيت وأندم على الساعة التي قابلته فيها، يا له من متعجرف وبغيض!" أو تكون:

"كان دَمث الخُلق، يعامل الآخرين باحترام وتواضع، وثمّة موجات ايجابية تصدر عنه تملأ المكان المحيط به فرحاً وحبوراً".

لحسن الحظ، هناك اشخاص، وإن كانوا يعدّون على اصابع اليد، يبثّون موجات ايجابية حولهم، تدخل البهجة الى قلوب المحيطين بهم وتبلسم قدر المستطاع رداءة الموجات السلبية التي تتدفق من الحاقدين على المجتمع وقليلي الذوق الذين يتباهون بقلة تهذيبهم وتجريحاتهم واغتياباتهم التي يعلّقونها أوسمة ونياشين على صدورهم… لكنهم لا يلبثوا أن يفقدوا محبة الآخرين واحترامهم. فما الذي يخسره الإنسان إذا راعى الأصول وقواعد الإتيكيت ومَدّ يد العون للأشخاص الذين يستحقون منه العناية والاهتمام في الأوقات التي يحتاجون فيها الى المساعدة… فالعطاء المعنوي لا يكلّفنا شيئاً، فلمَ نبخل به؟… تحية إكبار وتقدير للأشخاص المميزين الذين يستحقون معاملة رفيعة المستوى توازي رفعة أخلاقهم وسموّها… وأنتِ يا سيدتي، وأنت يا سيدي، بكلّ تأكيد من فئة هؤلاء الأشخاص.

السابق
حملة تشجير للماليزية في بنت جبيل
التالي
تكريم رائدات من لبنان وإطلاق تجمّع إيد بإيد