التغيير الآتي… ربما تأخر

استوقفني أمس وأنا أفكر في موضوع هذه المقالة حديث مع الروائي الليبي – السويسري ابرهيم الكوني يقول فيه إن الربيع العربي لم يبدأ بعد. وبسرعة نميل إلى الاعتقاد أن المتحدث من أقليات هذا الشرق التائه منذ زمن بعيد، بين إسلامه وحداثة الغرب وعلمانيته المتآكلة أحياناً كثيرة بفعل عوامل العولمة والتحديات المتزايدة في ملف الوافدين اليه من حضارات وثقافات مختلفة بالمعنى الكامل للكلمة ومتباعدة الى حد كبير.
لكن الكوني يضيف موضحا فكرته ان "الربيع العربي لم يبدأ بعد واتجاه الأحزاب الدينية للاستيلاء على السلطة يفقدها مصداقيتها لانه يستحيل الجمع ما بين الدين والدنيا… فالسلطة دنيوية تقوم على المصالح، بينما الدين إلهي يقوم على نكران الذات. لذا لا يمكن هذه الاحزاب ان تستولي على السلطة اذا أخلصت لمبادئها. لكنها ليست كذلك بل هي تسعى الى السلطة لتحقيق مصالحها.
السلطة هي طريق لبيع الضمير. فهل يقبل الله ان يستغل هؤلاء الدين لصالح الشيطان الذي تمثله السلطة؟".

بكل بساطة يبرز الروائي الليبي الفكرة التي تقلق كثيرين من تحول الأنظمة الفاشية الديكتاتورية الى ما يشبهها بغطاء الدين. ولا نخفي أن الفكرة تراود كثيرين منا ونحن من اهل الثورة، بل السباقون اليها، يوم نزلنا الى ساحة الحرية عام 2005 نطالب بالتغيير. لكننا اليوم وعلى مسافة من الثورة صرنا ندرك اكثر التحديات والصعاب التي تعوق التغيير الحقيقي، وأحياناً من أهل الثورة أنفسهم، إذ يسطع عليهم وهج الحكم، أي السلطة ومغرياتها.

إن مسيرة التغيير طويلة وشاقة، وهي غير معبدة، وتحتاج إلى المزيد من التضحيات، إلا أن التغيير حتمي. والكوني الذي يشكك في التغيير بقوله "لكننا في اللحظة الراهنة ما زلنا لا نشعر بدفء الربيع ونحن بالكاد خرجنا من صقيع الشتاء، والربيع بحاجة إلى موقف أكثر جذرية"، يعود في مكان آخر ليؤكّد ان "التغيير الحقيقي سيأتي لأن سمة الانسان هي رغبته في التغيير، بدءاً من أبينا آدم الذي عمل على التغيير وهبط إلى الأرض ولم يقبل أن يبقى وحيداً في الفردوس. وكل إنسان فينا يسعى إلى تغيير حياته نحو الأفضل فهذه هي حال المجتمعات البشرية".
إذاً التغيير آت لا محالة، ولا بدّ للعارفين بالأمور أن يتحضّروا له، لا أن يقاوموه، لأن التيارات الجارفة بقوة الشعوب لا بدّ أن تمضي في طريقها، وهي حتماً لن تتوقّف أمام المعترضين أو المتخلّفين عنها. في المقابل لا بد لمؤيّدي التغيير والثوار أن يستعدوا لما هو آت، وأن يتعلموا من أخطاء الآخرين.
هل يمرّ نهر التغيير بلبنان من جديد؟ هذا موضوع آخر.

السابق
النهار: باسيل يفنّد 10 مغالطات لدى ميقاتي: إعادة استدراج العروض لا تغيّر النتيجة
التالي
هل تكرر اميركا التقييمات الخاطئة لبرنامج ايران النووي كما حصل في العراق ؟!