سقوط الأسد بات صعباً..

يقول أحد قرّاء ما بين السطور إنّ ما يلخّص حقيقة الوضع الرسمي العربي كان مشهد الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي وهو ينتزع الكلام من وزير خارجية العراق هوشيار زيباري حين سألته صحافية عن الموقف من الأزمة السورية في ختام قمّة بغداد.

فالعربي الوثيق الصلة بالدول الخليجية، وخصوصاً الدوحة، كان على ما يبدو يخشى صدور كلام عن زيباري يفيد أنّ مقرّرات القمّة هي على قطيعة مع ما سبقها من مقرّرات وزراء الخارجية العرب إزاء الأزمة السوريّة خلال الأشهر المنصرمة.

ويبدو أنّ وصفة الموفد الأممي ـ العربي كوفي أنان للحلّ السوري بخلوّها من بند تنحّي الرئيس بشّار الأسد، لم تقدّم فقط مشروع حلّ، بل جاءت، حسب مراقبين، مخرجاً لحفظ ماء وجه كثير من الحكومات الغربية والعربية التي كانت تتناوب على الدعوة إلى تنحّي الأسد "فوراً" أو "الآن" أو "بلا تأخير" وغير ذلك من المصطلحات التي تراجع استعمالها كثيراً هذه الأيّام.

ولفت نظر المراقبين أنّ رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم اختار لحديثه الطويل مع قناة "الجزيرة" برنامجاً يبثّ ليل الأربعاء في محاولة للتغطية على القمّة من جهة، ولصرف الأنظار عنها من جهة ثانية، بعد إدراكه أنّ أوّل نتائج هذه القمّة هو إخراج الجامعة العربية من "الهيمنة القطرية" التي طالت واستطالت بما لا يعكس الحجم الحقيقي لهذه الدولة.

ويعتقد ديبلوماسيّون أنّه "لم يكن من باب اللياقة الديبلوماسيّة أن يغيب رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم عن القمّة بعد أن ساد وماد كلّ هذه الأشهر باسم الجامعة العربية ومن خلال ترؤّسه دورتها واللجنة الوزارية الخاصة بسوريا. وفي هذا السياق يرى مراقبون أنّ غيابه كان نوعاً من الاعتراف بأنّ مرحلة "الهيمنة القطرية" على قرار الجامعة قد شارفت النهاية، وأنّ الحقائق السياسية والميدانية التي شهدتها سوريا وكذلك المحافل الدولية قد أظهرت سوء تقديرات الشيخ حمد بن جاسم وارتباك رهاناته وحجم الإحراج الذي تسبّب به لدولته عموماً ولأميره الشيخ حمد بن خليفة خصوصا، على رغم محاولات الأمير أن يغسل يده من الأزمة السوريّة عبر التركيز على دور فلسطين بدءاً من إعلان المصالحة الفلسطينية في الدوحة بين الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل وصولاً إلى مؤتمر القدس الدولي الذي دعا فيه مجلس الأمن الى تشكيل لجنة لتقصّي الحقائق حول أوضاع القدس، فإذا بالمجتمع الدولي يدير أذنه الصمّاء لمطلب أمير قطر حين يتحدّث عن القدس وفلسطين، بينما كانت أذنه الأُخرى شديدة الالتقاط لما يهمس به وزير خارجيته حول الأزمة السوريّة.

وعلى الرغم من أنّ أحداً لم يكن يتوقّع للقمّة نتائج إيجابية باهرة في ظلّ البنية الرسمية العربية المترهّلة والمنشغلة بنزاعاتها، فإنّ عودة هذه القمّة إلى بغداد وعودة العراق إلى لعب دور بارز في الحياة العربية هو إنجاز لا يمكن التقليل من أهمّيته، سواءٌ لأنّه إعلان فشل لمشروع الاحتلال الاميركي الذي سعى منذ أن وطأت جيوشه أرض العراق الى ضرب عروبة العراق وقطع صلته بأمّته، وخصوصاً بالقضية الفلسطينية من خلال حلّ الجيش العراقي، أو لأنّه إعلان عودة العراق إلى دوره العربي الذي يشكّل تعويضا عن تغييب دور مصر، سواء بسياسة الانكفاء التي قادها الرئيس الراحل أنور السادات أو الرئيس المخلوع حسني مبارك قبل الثورة، أو بسياسة الغرق في المشاحنات المحلّية التي برزت بعد الثورة. واستعادة الدور العراقي هنا أيضا، تبرز، حسب مُطّلعين، مع ما تواجهه سوريا من محاولات حثيثة لإضعافها وإرباكها. ناهيك عن صورة العراق العربي الذي يُمكّن بعروبته كرديّاً من أن يكون رئيساً للعرب، وكرديّاً آخر لوزارة خارجية القمّة. بل إنّ تكريس هذه العروبة هو الذي يجعل من العراق شريكاً متوازناً مع جاريه الإقليميّين إيران وتركيا، فهو العراق العربي يمثّل العرب أمام أُمّتين كبيرتين هما الفُرس والتُرك.

وكان من الواضح أيضاً أنّ سوريا التي أدارت ظهرها لقمّة استبعدتها بالتطلّع إلى نيودلهي حيث يجتمع رؤساء أكثر من نصف العالم في قمّة دول "البريكس"، وهي القمّة التي أنصفت سوريا، فيما القمّة العربية استبعدتها، على حدّ تعبير قريبين من دمشق.

طبعاً، النظام السوري يدرك أنّ رياح الشرّ قد هبّت على بلده من الخارج أوّلاً مستغلّة مطالب مشروعة واحتجاجات سلميّة لتنفيذ مخطّطاتها المشبوهة. ولذلك فهو يعتقد أنّ الاستراتيجية الصحيحة لكبح جماح الرياح العاصفة يكون بإغلاق مصادرها من المستوى الدولي عبر الاستناد إلى قوى صاعدة وفاعلة وكبرى في العالم، وحين يتمكّن من معالجة الطبقة العليا من الأزمة ينتقل إلى الطبقة الأدنى، أي الطبقة الإقليمية التي شكّلت محادثات رئيس وزراء تركيا رجب طيّب أردوغان في طهران خطوة في اتّجاه معالجتها، فيما أظهرت قمّة بغداد انكباباً على معالجة الطبقة الثالثة وهي الطبقة العربية.

أمّا الطبقة الأرضية فهي الطبقة السوريّة ـ السوريّة التي بات واضحاً أنّ الحكومة السوريّة قد قطعت شوطاً واسعاً في مجال إصلاحها على أكثر من صعيد.

فبين قمّة سيول للأمن النوويّ التي جمعت الرئيسين الاميركي والروسي باراك أوباما وديمتري ميدفيديف، وبين قمّة "البريكس" التي أعطت دفعاً قويّاً لمهمّة أنان، وبين قمّة طهران التي جمعت المسؤولين الكبار الإيرانيّين والأتراك، وبين قمّة بغداد التي استعادت بعض التوازن في الموقف العربي من سوريا، وبين قمّة العجز الذي أظهرته المعارضة السوريّة مع اسطنبول، يستطيع المراقب أن يقول إنّ سوريا قد خرجت من غرفة العمليّات الجراحية لتدخل غرفة عناية فائقة يتوقّف على تجهيزاتها وإدارتها خروج سوريا نهائيّاً من الأزمة، خصوصاً أنّ الجميع قد اقتنعوا بأنّ إسقاط النظام السوري ليس وحده صعباً، بل إسقاط الأسد نفسه بات صعباً أيضاً.

السابق
النظام السوري
التالي
جنبلاط حرق معظم أوراقه.. ويلعب بالورقة الاخيرة “يا قاتل يا مقتول” ؟!