الميزان السوري

من جديد يعدّل السوريون الأحرار كفّة الميزان.
في جمعة الأمس كما في كل جمعة، أكدوا وحدهم، أن "المؤامرة الكونية" التي تحكي عنها السلطة الأسدية، انما هي عليهم وليست عليها. وان قدراتهم تتنامى في مواجهتها ولا تتناقص. وان صراع الإرادات، أو صراع الحياة والموت الدائر منذ نحو عام في طول البلاد وعرضها، لا يُحسم إلاّ على أيديهم.. يساعدهم المَدَد الخارجي لكنه لا ينوب عنهم في تقرير النتيجة. والفارق جوهري بين حساباتهم وحسابات السلطة وأهلها.
يستمرون من دون "تدخل" خارجي، فيما الشك كبير في قدرة السلطة على الاستمرار من دون ذلك الدعم الهاطل عليها من خارج، ومن دون تلك المظلّة الدولية المشلوحة فوقها، تغطّي ارتكاباتها، وتقدّم لها المرة تلو المرة، أسباب الايغال في ما ترتكبه.. بل تقرر بالنيابة عنها، الخطوط العريضة للتحرك المضاد للثورة، ميدانياً وسياسياً وديبلوماسياً وإعلامياً.

تعديل كفّتي الميزان يعني كسر منطق السلطة من أوّله الى آخره. والعودة الى البدايات والبديهيات: تتمدد آلتها العسكرية وتتمادى في استخدام النار لإطفاء النار المشتعلة ضدها، وتوزّع بدأب منهجي منظّم نظريات وخبريات وتسريبات وقوفها خطوة قبل إعلان انتصارها الأخير! وفي المقابل، تتمدد حركة الشارع الى نواحي وساحات جديدة، تُضاف الى القديمة منها، بل وتتصاعد وتيرتها في أماكن مألوفة وأخرى جديدة، ويزداد فوق ذلك، حجم التحدي في العاصمة دمشق نفسها، وفي المناطق التي سبق لأدوات السلطة ان اقتحمتها وافترضت انها أخرجتها من دائرة الثورة عليها.

والمعادلة لا تزال قائمة، كما كانت في بداياتها: تصعيد يقابل تصعيداً. تصعيد سلطوي في اعتماد القتل والحرق والتدمير والتهجير، يقابله تصعيد شارعي في كثافة الحضور، وجذرية الشعار، والذهاب في التحدّي الى مستويات أعمق وأكبر مما سبق. معادلة جحيمية لا تؤكد إلا استحالة العودة الى الوراء. لا السلطة تملك ترف الاختيار بعد اليوم، ولا الثائرون عليها يملكون ترف الاستسلام أو التراخي أو التراجع أمامها، بل لا يملكون إلاّ الإصرار على تأكيد المسلّمة التي تحاول السلطة نفيها: الحسم العسكري لا يعني حلاً، الفارق كبير وجوهري بين الحسم العسكري والحل العسكري. الدخول الى بابا عمرو بالقوة المسلحة لم يعطّل التحرك الشعبي حتى في أحياء أخرى من حمص نفسها. فكيف الحال في المدن والبلدات الممتدة على امتداد مساحة الجغرافيا السورية؟!

سوريا في كفّة، والسلطة في كفّة أخرى، ومقابل الدروع والآلة الحربية والشبيحة والذبّيحة، هناك الصوت الصارخ، والحناجر الملعلعة، والأيادي المرتفعة، والهامات المنتصبة تتطلع صوب السماء. معادلة متوازنة نظرياً، لكنها طابشة عملياً وحتمياً وتاريخياً، لصالح الناس وليس ضدهم.

السابق
متغيّرات كبيرة في أداء 8 آذار وحزب الله
التالي
حضر العرب وغابت العروبة