غيابان في أميركا.. وضربة؟

الولايات المتحدة مشغولة منذ بداية السنة الجارية بانتخاباتها الرئاسية التي ستجرى في الخريف المقبل. وهذا أمر يعرفه متابعو أوضاع هذه الدولة الأعظم في العالم. لكن من يزرها في هذه الفترة يشعر بأولوية هذه الانتخابات وبتأثيرها على السياسات الأميركية وخصوصاً الخارجية منها. ويستطيع أحياناً وليس دائماً أن يكوِّن فكرة عن الذي سيفوز فيها، إلا طبعاً اذا استجدت ظروف صعبة عامة محلية او خارجية ذات تأثير مباشر على الداخل أو شخصية بدّلت الكثير من الموازين السائدة وجعلت الناخبين الأميركيين يغيّرون وجهة تصويتهم.

والفكرة التي كوّنتُها أنا في أثناء زيارتي السنوية لواشطن ونيويورك، التي امتدت خمسة اسابيع وتخللتها لقاءات ونقاشات جدية مع مسؤولين من مستويات مختلفة في غالبية الادارات المهمة داخل الادارة الاميركية، ومع باحثين في عدد من مراكز الأبحاث، ومع موظفين سابقين كبار وديبلوماسيين متقاعدين ولكن مستمرين في تعاطي الشأن العام، الفكرة التي كوّنتُها هي ان فوز الرئيس الحالي باراك اوباما بولاية ثانية مرجّح لاعتبارات كثيرة أهمها ثلاثة. الأول، وقوع الحزب الجمهوري المعارض في انقسام مهم بين محافظين متطرفين يمثّلهم "حزب الشاي" وبين معتدلين أو ربما تقليديين. والثاني، غياب الزعيم الجمهوري القادر على توحيد حزبه، وغياب المرشح الجمهوري الذي يمتلك "الكاريزما"، والرؤية الواضحة، ووقوع المرشحين الجمهوريين الأربعة في الكثير من التناقضات. والثالث، توجه الاقتصاد الاميركي نحو التعافي. والذين يعرفون اميركا يعرفون ان "الوسطيين" (Centrists) والمستقلين هم الذين يحددون هوية الفائز بالرئاسة. وهؤلاء يحدّد تقويمهم للمرشحين الموقف الذي سيتخذونه في اثناء التصويت بغضّ النظر عن انتماءاتهم الحزبية التقليدية.

طبعاً لم اذهب الى الولايات المتحدة لأتابع معركة انتخاباتها الرئاسية، لكنها تفرض نفسها على الزائر كما على المقيم، بل لأتابع وعن قرب وضع العالم العربي بل العالم الاسلامي الاوسع الذي يشكّل العالم العربي جزءاً منه، ومواقف ادارتها من "ربيعه" الذي اتخذ الواناً مختلفة منها الازرق، ومنها الاخضر، ومنها الاحمر الدامي، والذي يخشى الكثيرون من العرب والمسلمين كما من الاميركيين ان يكون خريفاً يبشّر بشتاء قاس، وان يفتح الباب امام وقوع المنطقة كلها في عدم استقرار بل في اضطرابات وفتن وارهاب وحتى حروب اهلية غالبيتها مذهبية.

علماً ان ما يخشاه العرب والمسلمون هو ان تكون المنطقة بعالميها العربي والاسلامي دخلت مرحلة "اعادة تركيب" يفرضها انفراط "التركيبة" القديمة التي اقامها "عظيما" بدايات القرن العشرين اي فرنسا وبريطانيا، بل النظام الاقليمي الذي نجم عن تخطيطهما في اعقاب انهيار سلطة بني عثمان. كما تفرضها عفوية "الربيع العربي" الذي بدأ قبل أكثر من عام في تونس، وتفاجأوا لا الحكام العرب وغير العرب في المنطقة به بل ايضاً العالم كله وفي مقدمه الولايات المتحدة. طبعاً سأتعرّض في السلسلة "الطويلة" من "الموقف هذا النهار" بدءاً من يوم غد السبت للموضوعات المشار اليها ولأخرى قد تكون متفرّعة عنها. لكن لا بد من اعطاء اشارات في هذه المقدمة التمهيدية عن ابرزها، وهي الآتية:
1- استحسان عدم وقوع لبنان في "الفوضى او الفتن" رغم عدم الاستقرار وما هو اكثر منه المسيطر على محيطه القريب والابعد ورغم اوضاعه الصعبة اساساً. اما الاهتمام بلبنان فموجود ولكن ليس لذاته بل بسبب القلق على اسرائيل من "حزب الله" وصواريخه، وبسبب "الحرب" الدائرة في سوريا ودور له محتمل فيها، اذا انجرّ أطرافه الفاعلون اليها او اذا جرّهم اليها السوريون نظاماً وثواراً.

2- غياب أي قرار بتدخّل عسكري خارجي في سوريا لأسباب عدة اهمها اثنان. الأول، كون اميركا في سنة انتخابات رئاسية. والثاني غياب التوافق الدولي في مجلس الامن.
3- غياب قضية فلسطين وصراع شعبها مع اسرائيل عن الاهتمام الفعلي في الولايات المتحدة رغم الكلام المناقض لذلك، علماً انه صار قليلا. وهو قد يستمر طويلاً وربما يساعد إسرائيل على خلق أكثر من امر واقع خطير في الاراضي المحتلة وعلى التمهيد لـ"حلول" غير عادلة على الاطلاق.
4- احتمالات الضربة العسكرية للمنشآت النووية في ايران الاسلامية كبيرة. اما موعدها، اذا نُفِّذت، فبعد اشهر وقبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.

السابق
اليونيفيل تُعلّم طلاب الكسليك الإيطالية
التالي
الداوود: الأسد انتصر..!