لغـة الشبـاب: مـن «الشـوفـرة» إلـى «سبـايـكـي»

عاد نادر سراج إلى شبابه اللغوي ليتعلّم أن اللغة الحيّة لا تشيخ. من خلال التدريس في «قسم علوم اللغة والتواصل» في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية و«الإصغاء» للطلاب وسماع التعابير «المستجدة»، اكتشف أستاذ اللسانيات في الجامعة اللبنانية ومؤسس «مرصد بيروت الحضري» أن «الجيل الجديد يُنتج حالة لغوية جديدة»، فتولّدت فكرة كتاب «الشباب ولغة العصر»، وهي دراسة لسانية اجتماعية «ليست نواة قاموس شبابي أو جرداً لمفردات اللغة العصرية بل معالجة علمية لمعطيات لغة الحياة الشبابية».
في دراسته اللسانية، يغوص سراج في «رحلة المقترضات (الكلمات الدخيلة) والسوابق الاقتراضية» ابتداءً من كلمة «الشوفرة» التي رافقت دخول السيارة إلى المجتمعات العربية «حيث عُرّب المصطلح الفرنسي بحسب ما تتفوّه به العرب، أي وفق منهاجها وانسجاماً مع عوائدها النطقية وصيغها اللغوية المتداولة».
ويعرض الكاتب لمجموعة من الأفعال والمصطلحات التي استخدمت في الكتابة منذ نهاية القرن التاسع عشر مثل «سَوكَر»، أي أمّن على البضائع، و«فاتورة» المعرّب في أوائل القرن الماضي.
ويرى في الدراسة، التي استغرقته نحو عشر سنوات من جمع المعطيات، أن السلوك التحرري لا يقتصر على اللغة فحسب بل يتناول أيضاً مجالات الزيّ وتسريحة الشعر والمأكل والمشرب والرياضة وفنون قيادة المركبات والدراجات واقتناء الهواتف الخلوية وملاحقة تطورات الموضة واكتساب الـ «نيو لوك» وغيرها.
يتوقف سراج عند الكلمات الدخيلة المتعلّقة بتسريح الشعر، بين الأمس واليوم، لا سيما ما تناوله «شاعر الشعب» عمر الزعني قديماً، خصوصاً في قصيدة «ليلة عرسي» التي نظمها في أواخر عشرينيات القرن المنصرم. وتصف القصيدة خطوات العروس في الليلة الموعودة على الشكل الآتي: «لاحلق شاليش (قصة شعر نسائية) واطلع بالكاب (لباس نسائي)، لاحمل باستون (عصا)، ألا كرسون (قصة شعر للشباب أو التزيي بزي الفتيان)، وبشيل الحجاب». وصولاً إلى شباب اليوم كما يرد ذكرهم في التحقيقات الصحافية «هيدول الكول، يعني شعر سبايكي، وبنطلون مقشّط، ممن «يكزدرون» على كورنيش المنارة، فعدتهم هي: علبة «جيل» وديودوران (مزيل للرائحة)، وفرشاة أسنان، وتلوين «الغرّة»، و«سيشوار».
ويعرض سراج لعيّنة من الكلمات الدخيلة التي استحدثها الشبان وولدوها بوسائلهم الخاصة للتعبير عن أحوالهم وأمزجتهم. مثل كلمة «مبَومَر» (نقطة العطالة في السيارة) التي تعني أن الشاب المعني بالكلام معطل القدرة الجنسية أو أن رأسه «فاضي، مش شغّال».
ويفسح المؤلف مساحة واسعة للغة المعتمدة في مجال الثرثرة الالكترونية عبر أجهزة الاتصال الخلوي والتراسل الالكتروني والرسائل النصية أو التداولية ومواقع «الفايسبوك» و«التويتر» حيث «المقترضات والمختصرات هي سيدة الموقف بلا منازع». ليخلص إلى أن الشباب «لم يقطعوا حبل السرّة مع اللغة الأم بل قاموا بتراضيات لغوية. إذ إن قلبهم على لغتهم الأم لكن عقلهم في العولمة وتقنيات المعلوماتية. لذلك تواطأوا بين المضمون العربي والأحرف اللاتينية والأرقام الهندية».
ويرى سراج، الذي يدرّس اللسانيات منذ ثلاثة عقود، أن الألفاظ المستحدثة لم تعد مرتبطة بجيل الشباب فحسب، «بالرغم من ريادتهم في ابتكارها وتعميمها». ويستعيد المثال المبسّط الذي ردده رائد المدرسة اللسانية الوظيفية أندريه مارتينيه حينما رغب في لفت الانتباه إلى بديهيات يتم إغفالها خلال مقاربة مسائل الاتصال وأشكاله، لا سيما تلك التي تقوم بين أجيال متباينة الأعمار كما في موضوع الدراسة عن «الشباب ولغة العصر». إذ يقول مارتينه: «لن يكون في إمكاننا أن ندرك شيئاً عن بنية اللغة إذا أغفلنا أن الطفل يفهم جدّته دون أن يتماثل استخدامه اللغوي مع استخداماتها».
وشكّلت وسائل الإعلام من صحف ومجلات ومحطات تلفزيونية ومواقع إلكترونية «السند الأساسي» للدراسة، بالإضافة إلى ما يتناقله الشبان والشابات وما يبتدعه الإعلاميون ويولّده الفنانون وصولاً إلى مراجع وقواميس ومعاجم عربية وفرنسية وإنكليزية، وكتب ألمانية وإيطالية وإيرانية وفرنسية تناولت الموضوع، يسعى سراج إلى «نقل مضامين خطابات مغيبة إلى القارئ وذلك من خلال معاودة نقل لغة الشارع – أو لغة الحياة – بشكل مبتكر وحديث وطريف، وأكثر قابلية للتداول عبر الفضائيات وعلى المواقع الالكترونية وعبر الرسائل النصية الخلوية». ويلاحظ أن البيئة اللبنانية هي الأكثر دينامية وتحركاً والأكثر خصوبة في محيطها العربي في ما خصّ هذا الموضوع (قدّم نماذج عن الكويتيين والسعوديين والمصريين والسوريين). يشرح: «اللبنانيون يحبّون الصرعات وعندهم قبول للغات الأجنبية ولا محرّمات لغوية لديهم ويحبون التجديد من خلال «اصطياد» التعابير والمركبات اللغوية».
تقع الدراسة في 350 صفحة من الحجم الوسط، وقد صدرت عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» و«مرصد بيروت الحضري»، وموّلها «المجلس الوطني للبحوث العلمية».
  

السابق
خدعة الأسد الجديدة
التالي
مسـيرة القـدس.. إلـى قلعـة الشـقيف: إحباط فلسطيني والجيش سيمنع أشكال التظاهر