قمّة بغداد وسحب المبادرة «السابقة»

مع انطلاق أعمال قمّة بغداد العربيّة اليوم، وفي مطلع العام الثاني للثورة، من الواضح تماماً أنّ ما يُسمّى «الحلّ السياسيّ» في سوريّا هو عبارة عن استحالة، طالما أنّ المقصود به حلّ سياسيّ «مع» نظام الأسد.

قبل بضعة أشهر، أقرّ مجلس وزراء الخارجيّة العرب ما عرف بالمبادرة العربيّة بشأن سوريّا. وقد مثّلت تلك المبادرة حينها ما يُسمّى اليوم الحلّ السياسيّ، على أساس أنّها تضمّنت بنوداً تتّصل بوقف قتل النظام لشعبه إلى جانب مرحلة انتقاليّة تبدأ بتنحّي رئيس النظام لنائبه من أجل البدء بعمليّة سياسيّة تفضي إلى التغيير.

رفض نظام الأسد تلك المبادرة بمضامينها الفعليّة. وكي لا يبقى لها أيّ أثر، أي كي يدفنها تماماً، بادرَ النظام إلى تصعيد المسار العسكريّ – الأمنيّ فحصدَ بمجازره آلاف السوريّين ودمّر مدناً وأحياء بكاملها وقام بعمليّات تطهير وعزل مناطق أخرى. وعليه، فإنّ المبادرة العربيّة التي كانت تعني ما تعنيه قبل ذلك التصعيد، صارت رماداً بعده. فالمبادرة التي ذهبت بها اللجنة الوزاريّة العربيّة إلى نيويورك، ثمّ التي استُخدم اسمها لخطوات لاحقة من بينها تعيين مبعوث أممي – عربيّ مشترك هو السيّد كوفي أنان، ثمّ قيل إنّ توافقاً ما تمّ مع روسيّا على أساسها… إنّ تلك المبادرة منتهية بالفعل.

قبل أيّام قليلة، وفي مقابلة مع الزميلة جيزيل خوري على شاشة «العربيّة»، كشف الكاتب البريطاني باتريك سيل جوانب خطيرة من فهم نظام الأسد للظرف السوريّ الراهن. فهو المعروف بعلاقته التاريخيّة بـ»سوريّا الأسد» وبكتاباته عنها، حلّل الوضع السوريّ – من موقع معرفته بعقليّة النظام – من دون أن ينسبَ إلى الأسد شيئاً من باب «التحوّط المهني». قال سيل إنّ النظام الذي كانَ ضعيفاً حتّى بدايات شهر شباط الماضي، هو اليوم قويّ وأقوى ممّا كان بعدَ «قضائه» على المسلّحين في حمص وأحيائها. وأضاف: أنّ مهمّة كوفي أنان «الإجرائيّة الطابع» لا مفرّ من أن تمهّد تزامناً مع الظروف الجديدة (إستعادة النظام للمبادرة) لحلّ مع الأسد وتحت إشراف الأسد.

وزعمَ سيل أنّ معلوماته تفيد أنّ المجتمع الدوليّ وليس روسيا وحدها، ولا سيّما الغرب اقتنع بهذا التوجّه أي بالتوصل إلى حلّ مع الأسد وبه.

وأوضح أنّ ما حصل مؤخّراً من «تفجيرات انتحارية» في دمشق أقنع الغرب بدخول «القاعدة» على الخطّ وبضرورة «العودة إلى الأسد».

ليسَ ما تحدّث عنه باتريك سيل صحيحاً، لا في توصيف الوضع السوريّ الراهن ولا في الاستخلاصات السياسيّة، غير أنّه يفيد بأمر واحد: إذا كان نظام الأسد رفضَ حلّاً سياسيّاً يتضمّن مرحلة انتقاليّة قبل المسار العسكريّ – الأمنيّ، فهو لن يقبله وقد «عاد» قويّاً!. وحقيقة الأمر أنّ ما يستغلّه سيل في تحليله هو «التلكّوء» الدوليّ، الغربيّ خصوصاً بالنظر إلى محاولة الغرب درس تعاطيه مع المسألتين السوريّة والإيرانيّة معاً، أي كيفيّة التعاطي مع إيران لتقرير كيفيّة التعاطي مع النظام في سوريّا.

على أيّ حال، تنعقدُ قمّة بغداد وأمامَها هذه المعطيات. وعليها مسؤوليّة أخلاقيّة – إنسانيّة – سياسيّة.

وأوّل ما ُيفترض بالقمّة أن تطرحه على نفسها هو السؤال الآتي: هل يصحّ أن تبقى المبادرة العربيّة «السابقة» مطروحةً وقد استُخدمت على نحو أدّى إلى نسفها، بل إلى التلطّي وراءَها في تحرّكات لا تخدم هدفها المعلن أي تنحّي الأسد؟.

في أحد المبادئ الرئيسيّة في الديبلوماسيّة أنّ البديلَ من الحلّ السياسيّ قد يكون الحرب (أي المواجهة)، لكن في معظم الأحيان يكون البديلُ من حلّ سياسيّ ما حلٌّ سياسيّ آخر. في الحالة السوريّة حلٌّ سياسيّ يُسقط الأسد وتُقرّر له آليّاته ووسائلُه.

من هنا فإنّ المؤمّل أن تنتهيَ القمّة إلى سحب المبادرة العربيّة «السابقة». وسحبُها سيؤدّي إلى منع مزيد من الوقت الضائع ومزيد من اللعب في الوقت الضائع. لا مانع من موقف ديبلوماسيّ يساند كوفي أنان في محاولته «وقف العنف»، لكن لا بدّ أن يكون مفهوماً أنّ الموقف العربيّ هو مع سقوط بشّار.

وإلى سحب المبادرة «السابقة»، موقفٌ يعترف بالمجلس الوطني السوريّ. فبدلاً من النصائح حول «وحدة المعارضة»، سيكون الاعتراف بالمجلس الوطنيّ دافعاً إلى انتماء معارضين إليه. وعلى كلّ فإنّ العديد من الانتقادات من بعض «معارضين» إلى المجلس لا تعني شيئاً، بالضبط لأنّه يتحرّك من ضمن معادلات عربيّة وإقليميّة دوليّة صعبة جدّاً.

إنّ موقفاً عربيّاً من هذين الشقّين سيكون دعماً للثورة السوريّة وسيرسمُ سقفاً للمؤتمر الثاني لأصدقاء سوريّا في إسطنبول.

وإن برزت اعتراضات من بقايا أنظمة حجريّة متخلّفة، فلا داعي لـ»تسويات» أي «مساومات». وفي الأصل لن يكون ذلك إضافةً إلى واقع حال العمل العربي المشترك. وعلى الأقلّ لتمارس الدول العربيّة الأساسيّة قناعاتها.

أمّا الأسد «العائد» إلى قوّته كما قال باتريك سيل، فلينظر إلى العاصمة دمشق والعاصمة الثانية حلب!   

السابق
معالي الوزير، لنصلح ونغيّر بلا توتر 
التالي
من جرب المجرب …