قمة بغداد.. عودة الابن إلى رحمه..

لن تخرج قمة بغداد عن رتم تقاليد القمم السابقة من حيث الرؤية العامة والبنود التي اعتدنا طرحها، لكن التمثيل بالحضور، حتى لو كان منخفضاً، فهو عودة للعراق إلى رحمه العربي، وهي المهمة الأولى، ومع أن الأحداث التي عصفت بالمنطقة والتغييرات التي حدثت والتي آثارها لا تزال قائمة فإن انعقاد قمة كهذه هو ضرورة أساسية..

نحن نعرف أن القمم منذ بداياتها الأولى، وإلى اليوم، لا تستقر على رأي لأن عواصف الخلافات غالباً ما تؤثر في قضايا التنمية وتوحيد السياسات،والوصول إلى الحدود الدنيا في خلق عمل مشترك يلامس المصالح القومية، لكن بتحولها إلى «بروتوكول» عام بعد أن كان العالم يراقبها وينظر كيف تتجه بوصلة المنطقة، أصبحنا الآن خارج حسابات اهتمام القوى العالمية إلا بما رسمته لعلاقات مصالح اقتصادية وسياسية، وبالتالي إذا كنا نريد استعادة الدور العربي، فلابد من طرح استراتيجية شاملة تكون قانوناً ملزماً معنوياً حتى لا تتأثر بأي خلاف..

العراق مرّ في ظروف صعبة من دكتاتورية، إلى احتلال، ثم تمزق الساحة الداخلية بحرب طوائف، وتعمق الإرهاب من خلال الفراغ السياسي الذي عاشه، لكنه الآن يفصل تلك المرحلة ليطرح نفسه من جديد، دولة ذات سيادة تحترم الجوار والمواثيق الدولية، ولعل حضور رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، وقطعه البروتوكول المعتاد ليلقي خطاباً أمام وزراء الخارجية العرب، وشرحه مختلف ما مرّ به العراق، ورؤيته للمستقبل، يؤكد أن العراق في عمق الواقع والمستقبل العربيين..

رمزية حضور سمو أمير الكويت للقمة يتجاوز مأساة الغزو العراقي لبلده، ويؤكد حسن النوايا والبدء بطرق أخرى تؤكد قيمة العلاقة بين البلدين، وتجنب ما حدث على اعتباره جنوناً في رحلة تاريخ مضى، والعودة إلى تعامل أكثر حميمية في رؤية التعايش وبناء الثقة لمستقبل بعيد..

هناك ملفات مثقلة بأعبائها، لكن الشأن السوري يبقى الأهم، طالما الوضع دخل مرحلة تهديد مستقبل بلد مهم، تحولت قيادته إلى وحش لا يأخذ بالاعتبارات الإنسانية، ولا ما ستؤول إليه الأحداث، وطبيعي أن لا تتلاقى الآراء، أو يقف بعضها بعيداً عن ملامسة الأزمة بذرائع تقويم يدعي أن المشكلة سورية داخلية، وهذا ليس صحيحاً لأن الخلاف لم يكن سياسياً على موضوعات يمكن حلها سلمياً، بل طغت الآلة العسكرية على أي منفذ للحوار، وبقيت المسألة أخلاقية تشمل كل العرب..

نعرف أن النتائج قد لا تكون كبيرة، ولكن الاجتماع بحد ذاته، وفي العراق خاصة يعتبر دافعاً لأن نأخذ الأولويات الأساسية ضمن معرفة تتسع لمعالجة أي قضية حتى لا نقع في عزل بلد عن محيطه وفق منظور كان من المفترض أن يقدر مواقف كل الأطراف..

ابتعاد العراق أضعف الموقف العربي وبصرف النظر عن المتسبب، فالموقف يحتاج لرؤية بعيدة لا تبني الصور على ما جرى، بل أخذ المستقبل قيمة تحدد دور كل بلد في منظومته العربية..

وبعيداً عن التأويلات ومجريات الأحداث، فالعراق الذي يستضيف القمة العربية يريد أن يكون لاعباً في الشأن العربي، لكن من دون الرؤية العالقة للماضي، وهذا واقع أن تقترب الأقطار العربية منه حتى لا تبقى المسألة نفسية، لا سياسية بروابط جديدة تلتقي على أهداف واضحة..  

السابق
قمة بغداد وعمائم طهران
التالي
خدعة الأسد الجديدة