جنبلاط: للقائي مع الحريري ثمن سياسي ولن ادفعه

تجري الرياح في سوريا بما لا يشتهي وليد جنبلاط، فلا سقوط أو إسقاط لنظام الرئيس بشار الاسد، ولا امل في حل سياسي على أساس المبادرة العربية (تفويض الصلاحيات لنائب الرئيس مقدمة للتنحي على الطريقة اليمنية)، بل ان سفن الازمة السورية تجري في الاتجاه الآخر الذي تبلغه الزعيم الدرزي شخصياً في العاصمة الروسية، من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن لا حل في سوريا الا تحت سقف نظام الاسد.
تلك هي الخلاصة التي تنتهي إليها مقاربة جنبلاط للحدث السوري، والتي تنطوي على استياء واضح من مآل الامور في سوريا، بعد سنة على اندلاع الأزمة، واصطدام ما يسميها «الثورة» (يرفض تعبير «الربيع العربي» نهائياً) بما هو أكبر منها، إن على صعيد المعارضات وتناقضاتها البنيوية، ومدى قدرتها على القول والفعل، وأمامه مثلان لفشلها، يتجلى الاول في مؤتمر المعارضة السورية في تونس، والذي ينظر اليه جنبلاط بأنه كان «مؤتمراً فاشلاً ولم يقدم المرجو منه»، ويتجلى الثاني في مؤتمر المعارضة السورية في تركيا الذي ينظر اليه جنبلاط أيضاً بوصفه «مؤتمراً فاشلاً».
ولعل العامل الابرز الذي كبح جماح «الثورة السورية»، «ليس قوة النظام وقدرته على الامساك بالارض السورية في وجه المجموعات المسلحة، بل ـ يضيف جنبلاط ـ يتمثل في عدم وجود قرار دولي باسقاط بشار الاسد»، فهذا النظام، كما يقول رئيس «التقدمي»، «هو حاجة للاتحاد الروسي، كما كان في القديم حاجة لـ«الاتحاد السوفياتي السابق»، كما هو حاجة للاميركيين». يسأل جنبلاط: «من سيحمي الحدود الشمالية لـ«الجيران» في الجولان ولبنان»، ويستطرد «المعارضة السورية ذهبت في مراهناتها مسافات بعيدة بعدما سمعت من الاميركيين والاوروبيين كلاما كبيرا تارة عن سقوط النظام خلال أيام وتارة اخرى ان الأسد فقد شرعيته، والى آخر ما هنالك، حتى ظنّ البعض ان المسألة انتهت، ولكن الحقيقة خلاف ذلك، اذ ان النظام لم يسقط… الا يعني لكم شيئا ان كل العالم لم يستطع ان يدخل سيارة اسعاف الى بابا عمرو في حمص؟».
تبدو صورة الاحداث في سوريا بعد سنة، عكس ما تمناها جنبلاط، لا الصورة الراهنة ولا مسار الاحداث على الارض، ولا الصورة المستقبلية في ظل الحراك الدولي الذي يقوده الامين العام السابق للأمم المتحدة كوفي انان «فها هو بشار الاسد في بابا عمرو يقول للعالم انا هنا، وسيقوم في القريب العاجل بتأجيل الانتخابات التشريعية، وسيجري الانتخابات على اساس الدستور الجديد الذي وضعه ويتيح له الترشح لولايتين، وطالما بقي بشار، لا امكانية لأي تغيير او اصلاح في سوريا، وطالما بقي النظام فمعنى ذلك يجب أن تتوقع منه أي شيء سواء في سوريا ام في لبنان».
وعلى الرغم من هذه الصورة السوداوية، لا يبدو أن جنبلاط في وارد القيام بخطوة تراجعية الى الوراء، بل يذهب أبعد من ذلك بالقول لـ«السفير»، إنه قرّر أن ينتقل بصورة نهائية الى موقع القطيعة النهائية مع النظام السوري ومهما كانت الأكلاف سواء بقي النظام ام لم يبق، ولن يكون من الآن فصاعداً أي كلام عن لحظات تخلٍّ او ما شابه. هناك لحظة تخلٍّ واحدة مررت بها متصلة بتلك الواقعة وليس بأي شيء غيرها»، ويقصد هنا انعطافته في اتجاه دمشق وزيارته الرئيس بشار الاسد بعد أحداث 7 و11 ايار 2008.
حسم جنبلاط امره بعدم حفظ خطوط الرجعة، ويبرر ذلك بقوله: «افضل لي ان اختم حياتي بخلاف مع النظام السوري.. وفي كل الاحوال انا مرتاح بقراري وأجد نفسي منسجما مع قناعاتي ومشاعري. انا اعرف انني قد اخسر سياسيا، لكنني في النهاية رابح مع نفسي».
على ان هدفا آخر يسعى جنبلاط الى تحقيقه من وراء موقفه الهجومي ويتعلق بدروز سوريا وحثهم على الالتحاق بـ«الثورة»، وبالتالي يعلن رفضه «تحويل دروز سوريا حرس حدود عند النظام كما هي حال بعض دروز فلسطين ممن تحولوا حرس حدود عند الاسرائيليين»، ويضيف «نحن نعيش في بحر العرب السنة، ما هي بيئة دروز سوريا ولبنان والمنطقة، هل تعلمون لماذا رفضت تلبية الدعوة لزيارة ايران؟ تصوروا لو قمت بالزيارة، ما هي عواقبها، خاصة على الدروز في الخليج وماذا لو قمت بالزيارة وجاء في الخليج من يتخذ قراراً بتسفير الدروز، ماذا نفعل حينها ومن اين نطعمهم؟».
صحيح ان موقف جنبلاط من سوريا يتقاطع مع موقف قوى الرابع عشر من آذار، الا انه يرفض ان يقال ان نهجه الأخير يجعله اقرب الى «14 آذار»، ويقول انه من البداية قد رسّم حدوده في المنطقة المستقلة مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان وآخرين.. ويلفت الانتباه الى انه تواصل في الآونة الأخيرة هاتفيا مع سعد الحريري مرتين، الأولى، لتهنئته بالسلامة بعد الحادثة التي تعرض لها في فرنسا، وأدت الى كسر احدى قدميه، والثانية، عندما بادر الحريري للاتصال مؤخرا بذكرى السادس عشر من آذار (الذكرى السنوية لاستشهاد كمال جنبلاط) وأوفد النائبة بهية الحريري لتمثيله بوضع زهرة على ضريح كمال جنبلاط في المختارة.
لن يتطور هذا المستوى من التواصل، معطوفا على بعض اللقاءات «مع جماعة سعد في بيروت»، الى حدود اللقاء بينه وبين زعيم «تيار المستقبل» ويقول «لمثل لقاء كهذا ثمنه السياسي، وأنا لست مستعداً لدفعه، وبالتالي انا راض بواقعي الحالي وباق في الحكومة على علاتها، وضمن هذا التحالف السياسي العريض، علماً ان كثيرين يهرعون الي كلما عرفوا انني بصدد زيارة فرنسا ويسألونني «هل ستلتقي سعد»، لكن يبدو ان هؤلاء مستعجلون ولهم اسبابهم».
يفصل جنبلاط بين موقفه من النظام السوري وعلاقاته مع القوى السياسية في لبنان، وخاصة مع «حزب الله» الذي يقول ان ثمة صلة تواصل موجودة بينهما بشكل شبه يومي من خلال مسؤول لجنة الارتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا، انما ليس على مستوى اللقاء بينه وبين السيد حسن نصرالله، والذي إن حصل فقد لا يتجاوز حدود اللقاء الأخير بينهما، حيث اختلفا على مقاربة الوضع في سوريا واتفقا على معظم القضايا الاستراتيجية في الداخل والخارج.
يفهم جنبلاط عمق العلاقة الاستراتيجية بين سوريا من جهة و«حزب الله» وايران من جهة ثانية، ويقول «لهم موقفهم ولي موقفي، وقد سبق وتجاوزنا مرحلة التوتر الكبرى التي سادت ما بعد احداث ايار 2008، ووضعنا تسوية قائمة على عدم الدخول في اية مساجلة مذهبية وهذا ما نحن متمسكون به ونسعى اليه مع كل الفرقاء، ولنكن واقعيين «أيّ خطر يمكن ان اشكله انا شخصيا أو ما أمثل على «حزب الله»؟ لا انا استطيع ذلك ولا غيري، وفي هذا السـياق، انا اختلف مع كل المنطق الذي يقوله منظرو فريق 14 آذار بتـجاوز الشريك الشيعي («حزب الله» والرئيس نبيه بري) وعـدم محاورته، فهذا منطق غير منطقي ولا يوصل الى اية نتيجـة.. أما نظريتهم عن بناء «شبكة الأمان»، فصارت مكررة وممجوجة وعمرها أكثر من ثلاثين سنة».
اما بالنسبة الى السلاح، يقول جنبلاط، فأنا مع بقاء هذا السلاح ليس الى الأبد، بل طالما يشكل حاجة لتحرير ما تبقى من الاراضي اللبنانية المحتلة، وفي مواجهة العدوان الاسرائيلي الدائم على لبنان، وبالتالي لا نستطيع ان نجعل من هذا الامر مبعث توتر دائم، فأنا مع «حزب الله» ومع السلاح الى ان تأتي تسوية سياسية وتضع هذا السلاح في عهدة الدولة، هذا اذا ما قدر لنا ان ننشئ دولة».
يلمح جنبلاط في حديثه عن التسوية، الى أن السلاح هو بديل الصلاحيات، وطالما أن لا أحد على استعداد لمناقشة التسوية اللبنانية الكبرى، فإن موضوع السلاح من المفضل أن يتم اخراجه من السجال الداخلي».
لا يرى وليد جنبلاط أن هناك ما يحول دون اجراء الانتخابات النيابية في العام المقبل، ويعتقد أن قانون الستين سيكون هو المحطة التي سيقبل بها الجميع في نهاية المطاف. لا يتوقع مفاجآت انتخابية، لكن اذا استمر أداء «تيار المستقبل» على حاله «أعتقد أنه سيخسر حتى في بيئته الأساسية».
يبقى الوضع السياسي مهتزاً، ولكن لا خوف على الاستقرار في لبنان، كما يقول جنبلاط، والحكومة العاجزة ستجد نفسها في مواجهة الإضرابات واللحوم الفاسدة، وحتى «المتـّة مقوطعة»، هناك من بدأ يشتغل انتخابات، وهناك من يسعى الى انشاء معمل كهرباء بالبترون، وها نحن امام مشكلة بواخر كهرباء في ما الحل يكمن بضرورة المعالجة الجذرية لا الترقيعية».
يستعيد جنبلاط تجربة الوزير الراحل جورج افرام الذي كان يملك مشروعاً جدياً لإنشاء معامل كهربائية على اساس الغاز (وليس الفيول)، لكنه ذهب ضحية المافيا، ويقول إن المؤسف في الأمر أن لا أحد يقارب هذا الملف، جذرياً، بل بهاجس الاستثمار السياسي أو الانتخابي أو المالي.
واما في ما خص الاشتباك الناشئ بين الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، فيفضل جنبلاط أن ينأى بنفسه عنه، الا انه يشدد على اهمية بقاء هذا الحكومة وعلى بقاء هذا التحالف العريض.
  

السابق
ابحثوا عن الفساد في “المستورد
التالي
تحرير الملحن الشرنوبي من خاطفيه