الرئيس المنتصر على «بابا عمرو»

لم نكن نتوقع ابدا ان يزور الرئيس السوري بشار الأسد حي بابا عمرو في حمص في مثل هذه الظروف حيث لا يزال أهل حمص وبقية السوريين يدفنون أبناءهم الذين يقتلون على أيدي قوات الجيش والقوات الامنية والشبيحة.
كانت صورا مستفزة للمشاعر ولا تراعي ابسط درجات اللباقة او احترام ما يحس ويشعر به سكان مدينة حمص وبقية السوريين رغم انها ليست المرة الاولى التي يتقصد فيها النظام مثل هذا الاستفزاز للمشاعر، وقلة الاحترام او الاكتراث بموت السوريين.
ففي الصيف الماضي، وفيما كان أبناء حي القابون في دمشق يشيعيون نحو 20 شابا من ابنائهم، كانت جوقة النظام تنظم حفلة غنائية في ساحة الامويين، راح فيها المطرب جورج وسوف يصدح بأغان عن «حبيب الملايين ابو حافظ».
لكن الصور المقبلة للرئيس بشار الأسد وهو «يتفقد» حي بابا عمرو المنكوب ورغم استفزازيتها، وفي ما لو اردنا التدقيق في التفاصيل، لوجدنا انها في غاية التعبير عن حقيقة الاوضاع في سورية وليس فقط في بابا عمرو. ماذا رأينا في الصور؟
رأينا حيا مهدما في شكل كامل، اما المباني التي ما زالت واقفة، فلم تسلم جدرانها وابوابها ونوافذها من آثار الرصاص والقذائف، كذلك رأينا حيا خاليا تماما من سكانه، فالغالبية من سكان الحي نزحوا الى مناطق أخرى، وقسم منهم قتل، وقسم اعتقل.
كان الرئيس الذي يقال انه وصل الى الحي عن طريق طائرة مروحية حطت في «ملعب الباسل» القريب من الحي، يمشي مسرعا ومحاطا بالعناصر الامنية ومحافظ مدينة حمص وبعض ضباط الاستخبارات في المدينة. لم يكن هناك شعب ولا جماهير ملتفة حول القائد الذي «حرر» الحي من العناصر الارهابية المسلحة كما تقول وسائل الاعلام الحكومية. لقد بدا الرئيس وحيدا، من دون شعب، وهذه حقيقة ساطعة سطوع الشمس في سورية اليوم، لأن الشعب يقتل كل يوم، وليس مضطرا بعد اليوم لأن يجامل او يقبل حقيقة اخرى غير حقيقة القائد القاتل.
الناشطون من حمص قالوا، ان آخر مجزرتين وقعتا في الحي كانتا قبل وصول «السيد الرئيس» بأيام قليلة في اطار التجهيز للزيارة «المفاجئة» وتحدثوا عن قيام القوات الحكومية والميليشيات المناصرة لها مساء يوم الاثنين 26 3 2012، بتفريغ الحي مما تبقى من سكانه واستقدام عائلات بأكملها من الأحياء الموالية للنظام وقامت بعملية تصفية جماعية لعائلتين رفضتا النزوح من الحي.
وحسب معلومات «الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان»، ان ميليشيات النظام السوري المسلحة «الشبيحة» أعدمت عائلة الراعي بكل أفرادها والمؤلفة من «أبو خالد» الراعي وزوجته خلود وابنه خالد وزوجته وابنه، وإعدام أسرة الملحم المؤلفة من «أبو سامر» الملحم وسعد الله الملحم وعدد آخر من الأسرة.
حين كان التلفزيون الحكومي يعرض تلك الصور «للسيد الرئيس» في الحي، كان العديد من السوريين يذهبون في مخيلتهم الى الجولان، كانوا يحلمون برئيس يزور الجولان المحرر من الاحتلال الاسرائيلي. لكن ومع كل الالم، شاهدوا الحقيقة المرة، حقيقة مأساتهم الممتدة في الزمن اكثر من 40 عاما، حقيقة «القائد الخالد» الذي كان دمر مدينة «حماه» في الثمانينات، وها هم مع «القائد» الابن يشاهدون بأم اعينهم، حي بابا عمرو، لا بل مئات الاحياء والمدن والبلدات والقرى السورية تدك فوق اهلها لمجرد انهم حلموا بدولة جديدة وصرخوا للحرية وطالبوا بالكرامة – «الشعب السوري ما بينذل».
لكن «القائد» و«شبيحته» يصرّون على اذلال الشعب وإلا ما معنى ان يزور الرئيس بشار الاسد هذا الحي في تلك المدينة التي سقط فيها نحو أربعة آلاف سوري؟
ألم تشعر اقدام سيادته بتلك الاجساد المدفونة هنا وهناك في شوارع بابا عمرو؟ هل رأى جدران بابا عمرو وما كتب عليها حقا، ام ان الشبيحة استطاعوا طلاء الكلمات الخائنة التي تطالب الحرية قبل وصوله؟
هل سمع انين المصابين والجرحى؟ هل وصل الى مسمعه جوع النازحين في المنافي؟
لكن يا سيادة الرئيس، اعلم انه حتى لو هدمت الدبابات والشبيحة كل المدن السورية… وحتى لو فرغت المدن من سكانها، فإنك لن تستطيع ان تمنع السوريين من ترديد: «الشعب السوري ما بينذل»… و«خائن يللي بيقتل شعبه»…  

السابق
من جرب المجرب …
التالي
قمة بغداد وعمائم طهران