الجنوب يبتعد عن صفيح الأزمة الإقليميّة الساخن

ضجّت المقارّ الرسميّة منذ أيّام بكبار موظّفي الأمم المتّحدة وقادة القوّات الدولية وفريق مراقبي الهدنة للبحث في ما سُمّي أمن «منطقة الـ 1701» وانعكاسات التطوّرات الإقليمية عليها. وما كان لافتاً أنّ بعضاً من الإجماع بدأ ينمو ليطمئنّ الباحثون عن الأمن. ما هي المؤشّرات التي عزّزت هذا الشعور؟

تعترف المراجع الأمنية اللبنانية والدولية والديبلوماسية المعنيّة بملفّ أمن القوّات الدولية ومنطقة جنوب الليطاني أنّ المنطقة ابتعدت بعض الشيء عن دائرة الخطر الذي كان داهماً بفعل التوتّر في المنطقة ولا سيّما ما يجري على الساحة السوريّة وما بلغه تدهور العلاقات بينها والمجتمع الدولي بحيث وضع الجنوب على صفيح ساخن كمنطقة اختبار للمواجهة المقدّرة بين النظام في سوريا وأصدقائه اللبنانيّين من جهة، والمجتمع الدولي من جهة أخرى.

المخاطر ما دون النصف

وتبادلت المراجع الأمنية اللبنانية والدولية معلومات دقيقة في الساعات القليلة الماضية توحي بالمزيد من الهدوء من دون أن تتوفّر الضمانات التي كانت تبحث عنها هذه القوّات. وفي هذه المعلومات ما يؤكّد أنّ حجم تقدير المراجع الديبلوماسية والأمنية للمخاطر الأمنية في الجنوب قد تراجع إلى ما دون النصف في تقديرات المعنيّين بأمن هذه القوّات ومرجعيّاتها الدولية ولا سيّما المجموعة الأوروبّية التي تتمثّل في الجنوب بالحجم الأكبر منها بالقوّات الفرنسية والإيطالية والإسبانية ما خلا القوّة الألمانية وزميلاتها الأوروبّية العاملة في البحر والتي لم تستشعر يوماً بالخطر الذي ظلّل عمل الوحدات البرّية التي استهدفت في الأشهر القليلة الماضية خارج وداخل منطقة الـ1701. مع الإشارة الى أنّ كلّ الجهود التي بذلت لتحديد هوية المعتدين والمحرّضين لم تصل بعد الى تحديد الجهة الجانية حتى الساعة.

على هذه الخلفيّات باشر المعنيّون بأمن الخطّ الأزرق وعمق المنطقة الدوليّة جنوبي الليطاني بالشروع بخطوات تعزّز الاستقرار الداخلي بالدرجة الأولى، ففتحت قنوات الاتّصال الاجتماعية، التربوية، الثقافية والإنمائيّة مع أبناء الجنوب لإزالة حواجز داخلية بلغت في مرحلة من المراحل حجم السدود البرّية التي تحاصر هذه القوات والتي تجلّت بالمواجهات اليوميّة بين دوريّاتها والأهالي في أكثر من منطقة، فأسرعت الخطى باتّجاه المزيد من برامج الإنماء، فطويت صفحة، ومعها بعض من مصادر الخطر الذي كان قائماً.

"يوم الأرض" أمام قلعة الشقيف

وفي اقتناع القيّمين على الملفّ الأمني الباحثين عن مصادر الخطر أنّ جانباً من منبعها بات على الرفّ، على الأقلّ في المرحلة الحاليّة والمقبلة. ومن بواعث الارتياح ما أنتجه قرار الجيش بوقف كلّ التظاهرات الشعبية التي تسعى القوى الفلسطينيّة واللبنانية الى تنظيمها غداً الجمعة في 30 آذار الجاري الى قلعة الشقيف كحدّ أقصى، ما أدّى إلى ارتياح واسع لدى القوات الدولية التي كانت تخشى أن تتكرّر تجربة العام الماضي على الحدود بين لبنان وإسرائيل.

وقد تلاقت مفاعيل هذه الإجراءات الإيجابية مع الأنباء التي وردت من الجولان السوري المحتلّ عن تبلّغ أهالي المناطق السوريّة المحاذية للمواقع الإسرائيلية في مجدل شمس وأطراف محافظة القنيطرة بحَظرِ القيادة السوريّة هذا العام أيّ تحرّكات مشابهة لتلك التي شهدتها العام الماضي على طول الحدود مع إسرائيل.

بانتظار تطبيق مقترحات أنان

أضف إلى ذلك، فقد قرأت هذه المراجع الانعكاسات الإيجابية من تردّدات المفاوضات التي وُصفت بالإيجابية التي بدأتها الأمم المتّحدة مع النظام السوري بشأن مقترحات الموفد الدولي والعربي اليها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، الأمر الذي خفّف من حدّة التوتّر التي عاشتها هذه القوّات بانتظار ما ستؤول اليه مهمّة أنان ومباشرة الجانب السوري بتطبيق بنودها والتي يمكن أن تؤسّس لعمل سياسي ينحو بالأزمة السوريّة إلى الأفق السياسي، وهو أمر سينعكس على تطوّرات الوضع في الجنوب كما المناطق اللبنانية كافّة، وخصوصاً تلك التي صنّفت على أنّها من المناطق الحسّاسة التي تتأثر بالتطوّرات السوريّة ومجريات الأزمة الدموية فيها والتي لم تغب المنطقة الجنوبية عن جدولها الجغرافي والسياسي والأمني.

على كلّ حال، وبالرغم ممّا تقدّم من مؤشّرات إيجابية، بقيت المراجع الأمنية الدولية والمحلّية تتحسّب للأسوأ. وبالرغم ممّا يوحي بدرجة متقدّمة من الاطمئنان في الجنوب كما في كلّ لبنان، فإنّ من كلّفوا رصد مصادر المخاطر ما زالوا في حال من الاستنفار القصوى يترصّدون منابعها من مختلف المصادر المحتملة، فالعين الساهرة باقية مفتوحة على كلّ الاحتمالات، ولم يعد ينقصها الغطاء السياسيّ الذي بات متوافراً.   

السابق
مسـيرة القـدس.. إلـى قلعـة الشـقيف: إحباط فلسطيني والجيش سيمنع أشكال التظاهر
التالي
مخاوف اسرائيلية من حصول «حزب الله» على صاروخ «كرونيت» الروسي