حكومة الظلام 

كيف يعتقد طاقم الحكومة ورئيسها أن في إمكانهم تسويق أنفسهم مجدداً بين مواطنيهم في زمن الانتخابات النيابية المقبلة؟ «الإنجازات الكبرى» التي تحققت خلال ما يقارب الأشهر العشرة من عمر الحكومة تعادل كارثة وطنية. ولو كان الوضع الذاتي لقوى الرابع عشر من آذار أفضل بقليل، لفُتحت كل يوم لهذه الحكومة ساحات العزاء وأبواب جهنم، وتركت رئيسها يعيش في حصار أين منه حصار فؤاد السنيورة في السرايا عام 2007؟

لكن أركان الحكومة، والقوى المشاركة فيها، متفائلون؛ لأن شعبنا يسير وفق مذاهبه، لا وفق مصالحه. ومصالحه الصغرى يحتكرها، ويمثّلها حصراً، سياسيون يتوارثون كراسيهم بأشد مما يتوارث به الزعماء العرب كراسيهم. وبالتالي، إن اللعب بالانتخابات سيكون آمناً لهؤلاء، لكن حياة الناس لن تتحسن، لا في هذه الحكومة ولا في الحكومات المقبلة، علماً بأنها، اليوم، تتدهور إلى أقصى الحدود.
كان عناد الرئيس نجيب ميقاتي في بداية تكليفه رئاسة الحكومة مدعاة تفاؤل بالخير، حيث كان يفاوض مناوراً لتشكيل حكومة كما يريد، على أساس أن الطاقم الحكومي هو فريق عمل يجب أن يحاسب على مستوى إنتاجيته، ثم ربح أشهراً طويلة لتشكيل الحكومة ربطاً بالثورة السورية وأخواتها في العالم العربي، ومن بعدها في مناكفة ميشال عون، وبعدها تشكلت الحكومة لتكون كما يرغب ويريد بالحد الأقصى الممكن، وتلبي كل مطالب الغرب كما الشرق.

وكلما استاء ميقاتي من اعتراض وزير ذهب للحديث عن عرقلة إنتاجية الحكومة، ثم يتحفنا وزيره للاقتصاد بتبريرات تكاد تحار في ما إذا كانت مبكية أو مضحكة، وتعود الحكومة للعمل فيعود الإنتاج إلى صفره ككل يوم.

الصفر في الإنتاج الحكومي نعمة إلهية، ورحمة، لا وبل انتصار إلهي. ففي ملفات معيشية تحول الصفر إلى ناقص، تماماً كما «زودة» الرواتب، حيث ارتفعت الأسعار مع بداية النقاش حول الزودة، وساد التضخم البلاد، وعمدت كل الشركات إلى رفع مداخيلها استعداداً لزيادة الأجور، فيما كانت وزارة الاقتصاد حينها مشغولة بنقاش أرباب العمل وممثلي العمال بالصيغة الأفضل لمعانقة أركان الإنتاج بعضهم بعضاً، فغفلت عن زيادة الأسعار غير المشروعة. وحين وصلت الحكومة إلى تطيير شربل نحاس وزيادة الأجور كما ترغب وتحب، لم تغط الزيادة نسبة التضخم. والأنكى أن قطاعات كمستوردي المحروقات وأصحاب المحطات يرغبون بتمويل زيادة الأجور لعمالهم من رفع مباشر لأسعار المحروقات، أي تمويل الزيادة من المواطنين مباشرة.
العمل الحكومي مرّ بمراحل عدة شديدة الإنتاجية كما سبق، من توريط حزب الله وإمرار المحكمة الدولية وتمويلها وتجديد بروتوكولها، إلى تحطيم ميشال عون وقضمه رويداً رويداً وتطويعه في تركيبة نظام «خذ وأعط»، إلى تعزيز الدور الهامشي للدولة في حفظ الأمن في البلاد، في مقابل تقوية الأطراف السياسية وارادتها في التحكم بالأمن في مناطق نفوذها، وهنا الحديث عن كل الأطراف، من تيار المستقبل إلى حركة أمل، ومن أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال. وشملت الإنتاجية الحكومية، أيضاً، إفلات الحدود اللبنانية ــــ السورية، وتركها لعشوائيات الإرادات المحلية وفوضى السلاح واللجوء، والتخلي عن النازحين السوريين وعن الحفاظ على سيادة البلد، ومنع الغطاء السني الحكومي عن قوات الجيش اللبناني خلال تنفيذ مهامه التقليدية.
أضف إليها معالجات عشوائية مشابهة كلما انفجر الوضع الأمني في باب التبانة وجبل محسن، ومرة بوجه نجيب ميقاتي حين قرر أن يزور مدينته بعيد تكليفه، ومرة على خلفية المواقف المتباينة من الثورة السورية، التي أخذت منحى مذهبياً في الشمال. ودائماً من دون أي علاج، بل في حالة تجاهل حكومية كاملة.

ثم لا بد من الإشارة بسرعة إلى حجم النجاحات الحكومية في ضبط فوضى العمران من الجنوب إلى الأوزاعي فالشمال، وحكمتها في معالجة المطالب النقابية من نقابة الأطباء إلى المحامين إلى المعلمين، وفي قدرتها، وخصوصاً وزارة الاقتصاد، على ضبط المواد الاستهلاكية وعدم السماح للتجار ببيع المواد الفاسدة بأسعار عالية، ومنعها من التداول في الأسواق، ومنع الحالة السلفية من الاستشراء، ونجاحات وزارة الداخلية أيضاً في ضبط السير والأعمال الأمنية وتناقص متزايد في الجريمة الحقيرة الناتجة من فقر مدقع، أضف إلى عشرات من الملفات ليس أقلها إنتاج قانون انتخاب عصري وحديث يعطي الشباب حقهم في المشاركة ويفرض حصة للمرأة ويحد من استشراء الطائفية.
كل ذلك، إضافة إلى ملف الكهرباء الذي لم نعرف بعد كيف تقلص من مليار ومئتي مليون إلى أقل من نصف مليار بالعرض الأميركي وإلى نحو مليار بالعرض الإيراني الأفضل، علماً بأن الحكومة تبدو أصلاً غير مهتمة بتوفير الكهرباء لمواطنيها، ولا بأي شيء آخر. ألا أدام الله نور حكومة الظلام وأطال عمرها ما دمنا صامتين.

السابق
رسائل الأسد من بابا عمرو!
التالي
رحمة على القوات!!