الثانويون ينفّذون إضرابهم في المناطق اللبنانية

لن نخوض غمار حقوق المعلمين وتقصير الدولة، فلقد أصبح هذا الموّال كـ«العلكة» التي تُمضغ يومياً، لا بل في كل ساعة، إلى أن وصل المواطن اللبناني إلى قناعةٍ تامة، بأنه كلما استحصل مطالبٌ على حقّ، أنبت حقوقاً أخرى يطالب بها.

ربما يكون ذلك عادياً في حال لم يتضرّر أحد من جرّاء هذا «الموّال»، أو بعبارة أخرى، إن لم تكن هناك ضحايا تدهس تحت حوافر داحس والغبراء خلال معركتهما.

والضحية الأولى والأخيرة في هذه المعركة، هو الطالب، إن كان يعلم ذلك أو لا يعلم، إن كان يستسيغ ذلك أو يرفضه، حيث أنه غالباً ما يخسر ساعاتٍ طوال من تلك المخصصة له كي يستحصل على المعارف، بينما المعلمون يستغلون «خسارته» تلك من أجل المطالبة بحقوقهم، وفي ذلك خطأ، أما الدولة، فبإهمالها وتجاهلها تلك الحقوق، فترتكب الخطيئة إن لم نقل الجريمة.

وجريمة الدولة اللبنانية مزدوجة، حيث لم نسمع يوماً أن أساتذة التعليم الخاص يثورون، أو يعتصمون، أو حتى ينفّذون إضراباً، ربما لأنهم يعملون في مؤسسات تربوية خاصة هي الجديرة بأن ينتفض هؤلاء في وجهها إن سلبتهم حقوقاً، ولكن المعلوم، أن دولتنا الكريمة، تدعم التعليم الخاص على حساب الرسمي، ويظهر ذلك في المنح السنوية التي تقدّم إلى كل مدرسة خاصة عن كل تلميذ في المرحلة الأساسية، وقد تصل قيمة المنحة إلى خمسمئة ألف ليرة لبنانية إن لم يكن أكثر، «وعدّوا طلاب وعدّوا خمسميات ألوف».

وجريمة الدولة اللبنانية مزدوجة أيضاً، إذ أن المتضرّر ليس الطالب وحده، بل الوطن كلّه، ولا مجال للمزايدة هنا في ما يخصّ خسارة الوطن لخيرة شبابه، حيث يهجره إلى الخارج كل متعلّم ومتخرّج، وإلى الجهل والجريمة كل متسرّب من المدرسة.

الكل هنا يتحمل المسؤولية، الدولة في الدرجة الأولى، والمعلّمون في الدرجة الثانية ومعهم ما هبّ ودبّ من النقابات والروابط والجمعيات واللجان، والطلاب وأهاليهم الذين لا ينتفضون ثورةً عارمةً في وجه الدولة والمعلمين على حدّ سواء، ويكون المطلب الأوحد.. العلم.

أمس، نفّذ الأساتذة الثانويون إضرابهم الذي دعت إليه رابطة أساتذة التعليم الثانوي في لبنان، وإذ كانت ولا تزال مطالب المعتكفين عن أداء رسالتهم محقّة، فإن تطوّراً لافتاً ظهر أمس حين لوّحت الروابط بالتصعيد غير آبهة بمستقبل الطلاب، لا سيما، ما ورد على لسان نقيب المعلمين نعمة محفوض، الذي هدّد بنسف الامتحانات الرسمية والعام الدراسي بأكمله، وهنا، يسأل المواطن اللبناني العادي محفوض: «أين هم أولادك من العلم، هل تخرّجوا، هل يدرسون في مدارس خاصة، حتى تضحّي بمستقبل باقي الطلاب اللبنانيين؟».

إلى ذلك، عمّ الاضراب ثانويات لبنان الرسمية كافة، فيما لم يلتزم متعاقدو الأساسي، فخالفوا، وخذلوا زملاءهم في الثانوي.

راشيا والبقاع الغربي

وأفادنا مندوبنا أحمد موسى أن كل ثانويات راشيا والبقاع الغربي ودور المعلمين التزمت بالإضراب التحذيري الذي دعت إليه رابطة أساتذة التعليم الثانوي في لبنان، حيث أقفلت تلك الثانويات أبوابها وتوقفت الدراسة.

ولفت عددٌ من مندوبي الثانويات إلى أهمية الالتزام بالاضراب والضغط في سبيل تحقيق مطالبهم المحقة التي تتجاهلها الحكومة اللبنانية وتماطل في إنجاز ما جرى التوافق عليه في بعض القضايا المطلبية.

كما التزم عدد من المدرسين المتعاقدين في التعليم الأساسي، بالاضراب الذي دعت اليه لجان المناطق، لتحقيق القضايا المطلبية للمدرسين، وفي مقدمها حسب بعض المتعاقدين، سحب مشروع المباراة المفتوحة، وإجراء مباراة محصورة، ودفع مستحقات المدرسين عن الفصلين الأول والثاني من العام الدراسي الحالي، وتأمين بدل نقل للمتعاقدين، وإدخالهم في الضمان، ورفع أجرة ساعة التعاقد أسوة بغيرهم نظراً إلى غلاء المعيشة.

واستغرب بعضهم سياسة تقاذف التهم بين وزارتي التربية والمالية في موضوع دفع مستحقات المتعاقدين والاستخفاف بشريحة واسعة من المدرسين الذين ينتظرون إنصافهم بعد طول جور.

صور

وفي جنوب لبنان، التزمت أيضاً الثانويات الرسمية في صور ومنطقتها بالاضراب، إذ أقفلت المدارس الثانوية أبوابها أمام الطلاب، ونفّذ الاساتذة الثانويون إضراباً تحذيرياً ليوم واحد حتى تحقيق مطالبهم.

كما عقد الاساتذة الثانويون اجتماعات في المدارس حيث جرى تقييم الوضع، وناقشوا فيها مطالبهم وأبرزها: «الحفاظ على الموقع الوظيفي لأستاذ التعليم الثانوي كما كان في السابق 6 درجات مع الجامعة أو المعهد، رفع مستوى الاعداد للتعيين في وظيفة استاذ التعليم الثانوي إلى مستوى شهادة الماسترز، وإقرار المباراة المفتوحة في التعليم الثانوي وإنصاف المتعاقدين فيه، وتدريس المواد الاجرائية».

وفي قضاء بنت جبيل، أقفلت أيضاً الثانويات الرسمية أبوابها أمس، تلبية للدعوة التي أطلقتها رابطة الاساتذة الثانويين المتعاقدين إلى الإضراب.

«هيئة تنسيق القوى المتعاقدة»

من جهتها، دعت هيئة تنسيق القوى المتعاقدة في التعليم الأساسي والإجرائي والثانوي في بيان أصدرته أمس إلى الاضراب التام في كل الثانويات والمتوسطات نهاري الثلاثاء والاربعاء، ودعمها الكامل للجنة المركزية للمتعاقدين في التعليم الثانوي.

وأكدت الهيئة على ضرورة اتحاد جميع المتعاقدين، إن في التعليم الاساسي أو الثانوي أو الاجرائي أو المهني «في خندق واحد ضدّ سياسة التهميش والالغاء التي ينتهجها وزير التربية في خصوص المتعاقدين والتي أهمها إصراره على المضي قدماً بمشروع المباراة المفتوحة، وما يمثله هذا المشروع من خطورة كبيرة على مستقبل جميع المتعاقدين من دون استثناء».

ولخصت الهيئة مطالبها بالتالي: «وقف مهزلة المباراة المفتوحة فوراً والعودة إلى الحوار العملي الانساني مع اللجان المتعاقدة كافة، دفع كل المستحقات المالية المتوجبة في أسرع وقت، رفع أجرة ساعة التعاقد خمسة آلاف ليرة، رفع قيمة أجرة ساعة التعاقد في المواد الاجرائية إلى أجر ساعة التعاقد الثانوي أي 27000 ألف ليرة».

ودعا البيان في الختام جميع الطلاب «إلى عدم المجيء إلى المدارس والثانويات نهاري الثلاثاء والاربعاء، وإلى عدم التدخل أو إجبار التلاميذ على الحضور من قبل بعض الذين لا يرون أبعد من مصالحهم وقضاياهم، وإلى عدم تهديد التلاميذ بالرسوب أو الاتصال بمنازلهم، إذ من المعيب أن تكون الانانية وحبّ الذات قد وصلا بمعلم لا يرى الا من خلال أنانيته ولا يهمه الآخرون إن ماتوا أو سحقوا مع عيالهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم».

السابق
لبنان ليس من أصدقاء الشعب السوري
التالي
وفد نسائي إيراني يجول في مليتا