الشباب العرب، كنز دفين

تصدّر الشباب العرب العناوين خلال العام المنصرم، فظهروا مظهر قادة التغيير وحاملي الأمل ومهندسي مستقبل لامع ينعم بالحرية.
قبل سقوط بن علي، لم يكن الغرب مدركاً للحراك العربي والأفريقي الشمالي الذي مهّد الطريق للثورات والانتفاضات قبل 2010 بوقت طويل. أما القادة المحليون فلم يلاحظوا هذا الحراك فحسب، بل تخوّفوا منه ومن المشاعر القويّة التي ترافقه. وقد تصدّوا له بزجّ عدد كبير من الناشطين في السجون بذريعة إثارة النعرات الوطنية أو تهديد الوحدة والاستقرار في البلاد.

لقد همّشت المجتمعات الديكتاتورية أجيالاً من الشباب العرب. لم يكونوا ممثَّلين في الإعلام، ولم تكن المؤسّسات والكيانات تهتم بهم أو بشؤونهم. ولذلك كان من الطبيعي أن يتحوّلوا نحو المساحة الحرّة التي يوفّرها لهم الإنترنت ليتواصلوا مع أشخاص يفكّرون بالطريقة عينها، ويعبّروا عن آرائهم وينفِّسوا عن غضبهم.
وقد فعلت الأنظمة الشرق الأوسطية، وهي في غالبيتها أنظمة ديكتاتورية، كل ما في وسعها لإسكاتهم، وتعطيل حركتهم ومنعهم من إحراز أيّ تقدّم. هذا ما كان عليه الوضع قبل عام فقط في عدد كبير من الدول التي تحرّرت حديثاً، ولا يزال على حاله في الجزء الأكبر من المنطقة.

ولكن هل اختطف الحرس القديم هذه الانتفاضة العفوية وادعوا أنها من صنعهم، وأزاحوا من الطريق الأبطال الذين كانوا وراءها؟ يبدو من الأحداث التي تشهدها مصر أن هذا ما يجري بالفعل. والمشاحنات بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة "الإخوان المسلمين" هي خير دليل على ذلك. قبل كل شيء، يجب ألا يكون المجلس في السلطة، إنه امتداد لنظام مبارك. ومن جهة أخرى، لم يكن ينبغي أن تحقق الجماعة هذه المكاسب لأن الانتفاضة لم تكن انتفاضتها هي. لكنهما كلاهما معتادان التلاعب بالشارع إلى درجة أنهما نصّبا نفسهما عرّابَين للثورة وادعيا أنها من صنعهما. قد نحتاج الآن إلى ثورة لإنقاذ مصر منهما أو ايجاد توازن جديد.
ينطبق بعض السيناريوات بدرجات مختلفة على معظم البلدان العربية.
يجب التركيز على المستقبل في ضوء كل الانتفاضات التي شهدناها منذ أواخر عام 2010. بيد أن النقاش لا يزال يدور حول السنّة والشيعة، وتقاسم السلطة، والانقسامات السياسية، والتهديد السلفي، ودور الأصوليين، والإسلاميين، والانتخابات، والكثير من الكليشيهات والمعزوفات القديمة.
لماذا لا نتكلّم عن استحداث الوظائف، وحقوق النساء، وإصلاح التعليم، وايجاد فرص للنمو والانفتاح؟ أين هو النقاش حول الحرّيات الشخصية والتدفّق الحر للمعلومات؟ لماذا لا يتولّى الشباب الذين كانوا على رأس الثورات، قيادة النقاشات الوطنية؟ وأنّى للتغيير أن يتحقّق من دون أصواتهم ومشاركتهم الكاملة؟

شباب العالم العربي هم بمثابة كنز دفين. لا تزال المجتمعات العربية خاماً وبسيطة وعاجزة عن منح الأدمغة الشابّة اللامعة الفرص التي تستحقّها للتفوّق وإحداث التغيير والإصلاح. المخيف هو أنه لا تزال هناك أنظمة قاسية أو بالية أو همجية بقدر الأنظمة التي سقطت.
إذاً ما الذي تحقّق فعلاً منذ الانتفاضة التونسية؟ هل تغيّر شيء؟ هل نستبدل الأنظمة القائمة بأنظمة أخرى مفلسة ونترك من يناضلون من أجل الحرية يواصلون نضالهم؟
لن تكتمل أي ثورة من دون مشاركة من خاضوا نضالاً طويلاً وشاقاً، عندما لم يكن النضال شعبياً حتى. ولن تحقّق أي انتفاضة أهدافها كاملةً من دون المشاركة الفاعلة للشباب والنساء والأقلّيات الأخرى.
يجب أن نصرّ اليوم على المشاركة الكاملة للشباب، وإلا لن يصير عشق الحرية تياراً سائداً، وسوف يظلّ الباحثون عن الحرية يكافحون من أجل لفت الانتباه والحصول على آذان صاغية. وبذلك نكون قد أخفقنا كأفراد ودول ومجتمعات!

السابق
الحكومة النائمة على حرير استمرارها
التالي
عناق في شارع الحمراء؟!