إخوان سوريا.. وسلفيوها

إنهم صادقون فقط، لأن سوريا لا تحتمل غير الصدق، ولأن شعبها لا يقبل بأقل من دولة مدنية تعددية ديموقراطية، تختلف عن مصر التي أنجبتها الثورة، وتنافس تونس التي أنتجتها «النهضة».
لم تكن حركة «الاخوان المسلمين» في سوريا تقدّم في برنامجها الذي أعلنته من اسطنبول تنازلاً للرأي العام السوري والعربي والعالمي، بل كانت تسلم بحقيقة سورية رسمتها انتفاضة العام الماضي وهي أن أحداً، فرداً كان او طائفة او حزبا او جماعة، لم يعد يستطيع ان يحكم الشعب السوري وحده، وبناء على شرعية او فكرة او وظيفة مستمدة من القرن الماضي، او من القرون الغابرة.

الإعلان عن البرنامج قد يكون جزءاً من التحضير لمؤتمر المعارضة السورية ثم لمؤتمر أصدقاء سوريا، لكن الوحدة الداخلية «للإخوان» السوريين حدث بحد ذاته، كما ان التزامهم المسبق بالعناوين الجوهرية لمطالب الثورة العربية الكبرى، خطوة مهمة على طريق التغيير المنشود في سوريا، وعلى أمل ان تكون الكلفة، الباهظة حتى الآن، هي الحد الأقصى الذي يفترض أن يدفعه الشعب السوري الشقيق.
كان لا بد من تبديد الخوف المقيم لدى شرائح واسعة من السوريين من ذلك التنظيم الاسلامي الذي يتقدم نحو الصفوف الأمامية، لكن الخطوة كان يمكن ان تشكل اختراقاً للوعي السوري العام، لو انها أرفقت بتجديد المراجعة التي سبق للحركة نفسها أن أجرتها قبل ست سنوات لتجربة الثمانينيات، ولو أنها توجت باعتذار عن الأخطاء التي ارتكبت في تلك المرحلة المثيرة للجدل والقلق.

مع ذلك، فإن اندماج «إخوان» سوريا في ذلك الخطاب السياسي العام الذي يتردد على لسان رفاقهم المصريين والتونسيين واليمنيين، تميز بليبراليته السورية الخاصة، التي تفرض الإقرار الصريح بحق الولاية للمسيحي وللمرأة، والاعتراف الواضح بالآخر مهما كانت هويته السياسية او الطائفية او القومية.. وإن كانت لا تبدد الشكوك في أن الحركة الاسلامية السورية الأقوى تمارس التقية على غرار شقيقاتها العربيات. وهي تقية لن تقاس الا عندما تظهر المفاجأة السورية المقبلة، ويتقدم السلفيون الخارجون للتوّ من التحالف السابق مع النظام، في الشارع او في صناديق الاقتراع، على تلك الجماعة التقليدية العريقة التي باتت تبدو بالمقارنة معهم حزباً عصرياً يرمز الى الحداثة والتحضر، ولا يمت الى الأصولية الإسلامية بأي صلة!
لن تكون سوريا استثناء لهذه الظاهرة السلفية الواسعة الانتشار والتي باتت جماعة الاخوان الدرع الواقية وربما الوحيدة من خطرها الداهم.. الذي لا يمكن حصره إلا بمثل ذلك البرنامج السوري الذي أعلن في اسطنبول، وأرسى الأسس الصلبة لخطة المعارضة السورية التي باتت وحدتها السياسية والتنظيمية مطلباً جماهيرياً سورياً وعربياً وعالمياً إجماعياً.

السابق
اسرائيل تحتج لدى مجلس حقوق الانسان
التالي
حتى القضاة ضاقوا ذرعا