مفارقات

بعد جدال استمر شهوراً بين المجتمع الدولي داخل مجلس الامن وخارجه، بين روسيا التي جددت قيصريتها في عهد بوتين ومعها الصين الشعبية حول الوضع في سوريا وامكانية تدخل دولي لوقف سياسة القمع، والقوة المفرطة التي يمارسها نظام بشار الاسد ضد الذين يتظاهرون في سوريا، مطالبين بإسقاط النظام الديكتاتوري القائم منذ اكثر من اربعين سنة واقامة نظام ديمقراطي تعددي يضمن الحريات العامة والفردية، ويوفر العدالة والمساواة في المجتمع وفي الوظائف العامة، وبعد سقوط اكثر من عشرة آلاف قتيل واكثر من ثلاثين الف جريح، واحتجاز عشرات آلاف مصائر الغالبية منهم مجهولة على يد شبيحة النظام، وبعد ان اصبح النظام معزولاً من قبل المجتمع الدولي، ويواجه مصاعب اقتصادية ومالية حقيقية، بعد كل هذه المآسي وافقت روسيا ومعها الصين على بيان لمجلس الامن الدولي يتبنى المقترحات الستة الشفهية لوفد الامم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي انان الى سوريا للعمل على وقف حمام الدم واعتماد الحل السلمي للازمة التي تعصف بسوريا من خلال التفاوض بين النظام والثوار للوصول الى اقامة نظام ديمقراطي عادل على انقاض النظام القائم الذي لفظه اكثرية الشعب السوري.

لقد وقفت روسيا ومعها الصين وخلفهما ايران ضد قرارين كان اعدهما مجلس الامن الدولي ينصان على دعم مبادرة جامعة الدول العربية التي تدعو بشار الاسد للتخلي عن صلاحياته لنائبه والشروع بعد ذلك في تعديل الدستور وتشكيل حكومة وفاق وطني، واجراء انتخابات رئاسية واستخدمت الفيتو مرتين بحجة رفض التدخل الخارجي في الشأن السوري الداخلي وذلك دعماً لرئيس النظام السوري الذي اتهم اميركا ودول الغرب وجامعة الدول العربية كلها او معظمها بالتدخل في شؤون بلاده الداخلية، ودعم المعارضة للنظام بالمال والسلاح لاسقاط نظامه.
ومنذ ذلك الحين انكشفت الساحة السورية على تدخلات طرفين دوليين احدهما الغرب والدول العربية لوقف العنف المفرط الذي يستخدمه النظام ضد شعبه والثاني الشرق اي روسيا والصين وايران الذين تدخلوا لدعم النظام ودعم الاصلاحات الفوقية المتأخرة التي اجراها فوق جثث المتظاهرين، وعلى بحر من الدماء.

وازاء ذلك، دخلت الازمة السورية في طور من التدويل الكامل، وتحكم بالموقف مفارقة صارخة، فالنظام يرفض التدخل الغربي ويضعه في خانة المؤامرة على سوريا، وفي الوقت عينه يوافق على التدخل الروسي والصيني والايراني لدعمه ومده بالمال والسلاح لقتل شعبه، وتدمير مدنه وقراه، ويعتبره تدخلاً مشروعاً لوقف مؤامرة الغرب والعرب عليه، وبطبيعة الحال، ان تعتبر المعارضة التي يتعرض شعبها يومياً للقتل على يد شبيحة النظام التدخل الغربي والعربي مشروعاً وضرورياً لوقف حمام الدم، مثل هذا الاعتبار له ما يبرره نظرياً لكنه عملياً ادخل سوريا في لعبة الامم، وبالاحرى في حلبة الصراع الدولي على المصالح، الامر الذي ادى الى تفاعل الازمة داخل سوريا على مرأى ومسمع المجتمع الدولي والى تأخير الشروع في الحلول طيلة عام كامل والى فقدان النظام اي مبادرة جديدة لاصلاح ذاته، من جهة وتقديم تنازلات تحقق طموحات الشعب الثوري في الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة وتفاقمت الازمة الوطنية وتوسعت دوائر الضعف والعنف المضاد، ومعه حوصر الحراك السلمي في شروط توسعه وتناميه حتى لا يفرض توازناً ارجحياً لصالحه يعطل من خلاله الآلة القمعية للنظام وبالتالي وقعت سوريا اليوم امام خيار تدخل عسكري لا مناص منه قد يستولد حرباً اقليمية واسعة.

السابق
الانباء: كتلة 14 آذار تتهم منصور بالتغطية على ممارسات النظام السوري
التالي
إخفاق مهمة أنان