إخفاق مهمة أنان

هل يمكن ان تنتظر الازمة السورية انتهاء الانتخابات الفرنسية الشهر المقبل والاهم انتهاء الانتخابات الاميركية في تشرين الثاني المقبل من اجل ان تتضح معالم انهاء الازمة ووضع النظام السوري؟
السؤال يستند الى واقع ان هذه الانتخابات تعيق او تقيّد الادارتين الفرنسية وأكثر الادارة الاميركية التي لا يصدق أحد عدم قدرتها على حسم الوضع في سوريا لو شاءت لولا ان هناك وفقاً لما يعتقد كثر مراعاة لما ترغب فيه اسرائيل لجهة الابقاء على النظام الحالي في سوريا، علماً ان مصادر ديبلوماسية تقول ان اسرائيل توافق الغرب على تقويمه للوضع السوري ومصير نظامه. ونظرا الى التأثير الاسرائيلي في الانتخابات الاميركية فان الادارة الاميركية لن تخوض بقوة او تقود اي عملية يمكن ان تؤدي الى انهاء ما يجري في سوريا راهناً. لكن بعد الانتخابات وسط ترجيحات مبدئية بعودة باراك اوباما الى الرئاسة الاميركية من اجل ولاية ثانية، فان الامر سيكون محسوماً الى حد كبير نتيجة تحرره من القيود السياسية الراهنة، علماً ان هناك انتقادات اميركية داخلية للأداء الاميركي حتى الآن في موضوع سوريا من زاوية خدمته او عدم خدمته لمصالح الاميركيين، في المنطقة في فكفكة المحور الايراني السوري. والانشغال الفرنسي والاميركي بالانتخابات في البلدين لا تسمح بايلاء اهمية كبيرة في سلم الاولويات لدى كل من الادارة الفرنسية والاميركية ولو انهما تنخرطان في ابقاء الحركة الدولية على سوريا والضوء مسلطاً على ما يجري فيها. لكن اذا بقي الوضع الراهن في سوريا على ما هو عليه حتى تشرين الثاني المقبل اي ما بعد الانتخابات الاميركية فمن غير المرجح وفقاً لما تخشى مصادر معنية ان يبقى الاداء الاميركي او الغربي عموماً على ما هو عليه. اذ سيتعذر على الولايات المتحدة البقاء في المقاعد الخلفية في ما يتعلق بهذه الأزمة خصوصا أن الاداء المتمثل في الضغوط الاقتصادية والديبلوماسية استنفد الكثير مما يملك من اوراق وصولاً الى العقوبات على نساء عائلة الرئيس السوري في خطوة يراها كثر من دون نتائج، وان كانت بمعنى رمزي، كون القيود المماثلة على حركة التنقل مزعجة الى حد كبير في رأي القائمين بها ولو بدت صغيرة وغير ذي اهمية. لكن هذه العقوبات تعبر عن نفاد اوراق العقوبات والخطوات الديبلوماسية الى حد بعيد.
والسؤال مقلق بالنسبة الى كثر، ولو ان هناك اقراراً بأن الازمة السورية طويلة أكان ممن يدعم النظام او ممن يعارضه. لكن تحديد مهلة زمنية لاشهر عدة يعني عملياً ان الوضع سيبقى على حاله من دون تغيير ملموس بحيث يمكن ان يؤدي امتداد الازمة الى تحرك من أجل وقفها بعد الانتخابات الاميركية يختلف عما قبلها. فحلفاء النظام في لبنان استندوا الى ترحيب صحيفة "تشرين" السورية بالبيان الذي صدر عن مجلس الامن، والذي اعتبرته لمصلحة النظام وضد خصومه من الافرقاء الدوليين وان البيان هزيمة لهم من اجل التأكيد ان الدعم الروسي لا يزال قوياً ولا يساوم على بقاء النظام. كما استندوا الى ما اعلنته موسكو من جهة حول رسالتها الى المبعوث الدولي كوفي انان حول ضرورة وقف دعم الغرب للمعارضة السورية كشرط ضروري لنجاح مهمته، والاّ فان الشكوك تبقى قوية بهذا النجاح، وايضاً الى استمرار تأكيد روسيا رفضها التدخل العسكري في سوريا. ومع ان أياً من الدول الكبرى لم تذكر النية بالتدخل العسكري في سوريا في اي وقت مبررة ذلك بأن سوريا هي غير ليبيا، فان كلام روسيا يندرج في اطار التضييق على اي قرارات محتملة لمجموعة اصدقاء سوريا التي ستجتمع في اسطنبول يوم الأحد المقبل في الاول من نيسان أكان ما يتعلق بدعم المعارضة من خلال التسليح او المال او حتى اقامة ممرات انسانية آمنة باعتبار ان روسيا تعتبر أيا من هذه الخطوات ممهدا للتدخل العسكري على غرار القرار الذي اتخذ من اجل ليبيا بحماية المدنيين وادى الى تدخل قوات حلف شمال الاطلسي لاطاحة الرئيس معمر القذافي. وقد ارتاح هؤلاء ايضاً الى انتقاد روسيا تقرير لجنة حقوق الانسان حول سوريا بعد موافقتها على البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الامن. ويعتبر هؤلاء ايضاً ان النظام السوري يحسم امنياً انطلاقاً أخيراً من حمص وصولا الى ادلب وسواها من المناطق بحيث لن يلبث ان يستتب له الوضع لجهة السيطرة على الارض وان عامل الوقت مهم جدا بالنسبة اليه من اجل ربح المعركة وهو ما توفره له روسيا حتى الآن وفق ما يقول هؤلاء.

في المقابل فان السؤال مقلق بالنسبة الى خصوم النظام ولو اقروا ايضاً بأن الازمة السورية قد تستمر اشهراً طويلة، وربما اكثر، لأن ذلك يعني ان الأمر سيكون مكلفاً جداً بالنسبة الى سوريا وبالنسبة الى لبنان وكل جوار سوريا ايضاً نظراً الى ما يتسبب به ذلك من تداعيات داخلية على الشعب وطوائفه كما على الجيش. فالنظام اعتبر البيان الرئاسي لمصلحته لكن فاته ما يتوجب عليه القيام به وأبرزه وقف العنف والسماح بالتظاهرات السلمية التي تعني في حال اتاحة المجال لها اسقاطه بسهولة، خصوصاً مع وصول التظاهرات الى دمشق. ولذلك يتوافق طرفا المعادلة اي من يدعم النظام ومن يعارضه على ان مهمة انان لن تتكلل بالنجاح. وسيظهر هذا الحال قريبا وفق ما تقول مصادر معنية. اذ ان مهمته لم ترتبط واقع الأمر بمهلة محددة رفضت روسيا وجودها لكن مهمته ليست مفتوحة على اشهر. وتقول مصادر معنية ان المسألة لن تتأخر في الظهور بعد الزيارتين اللتين يقوم بهما انان لكل من روسيا والصين علما ان النظام السوري لم يلتزم وقف النار وفق البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الامن ولو انه اعتبره لمصلحته، بل ان العدد اليومي للقتلى بقي على حاله. وهذه المسألة يحتمل او يرجح ان تبرز معالمها قبل مؤتمر اسطنبول الاحد المقبل. اذ في ضوء الاتصالات التي سيقوم بها انان ستبرز سريعاً من خلال النبرة التي ستعتمد في المؤتمر نتائج هذه الاتصالات، علماً ان روسيا بدأت انتقادات مبكرة له في موقف مماثل لذلك الذي اتخذته ازاء المؤتمر الاول لاصدقاء سوريا في تونس قبل بضعة اسابيع.

وقياس احتمالات بقاء الازمة حتى الخريف المقبل يتم على أساس المصالح السياسية المباشرة علماً ان التداعيات الاقتصادية خطيرة جداً بحيث يمكن ان يعاني لبنان اكثر مما يعانيه حتى الآن سياسياً واقتصادياً ايضاً.

السابق
مفارقات
التالي
نادين معوض تدافع عن حقوق المرأة