جمهورية فتوش 

في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، دارت نقاشات لم تخل من حدة بين عدد من الوزراء حول مسائل مختلفة. في لحظة دخل سمير مقبل على الخط، في شكل ولهجة اعتبرهما نقولا فتوش مخالفتين لرأيه. فردّ عليه الأخير، كمن يُسمع أهل السرايا، قائلاً: أنا لا مشكلة لديّ. غداً أقدم استقالتي. وأمضي وقتي كل يوم بمعارضتكم، لا بل بنشركم وبهدلتكم… سمع الجميع، وابتسموا، واستأنفت الجلسة أعمالها.
طبعاً لم يكن السكوت حيال كلام وزير الدولة علامة رضى. ولا التزمه الصامتون بدافع الخوف من أن يؤدي زعله الى إقفال مغارة جعيتا أو توقّف كسّارات ضهر البيدر عن العمل، أو المطالبة بتنفيذ فوري لحكم مجلس شورى الدولة القاضي بدفع 225 مليون دولار لتلك الكسارات (على فكرة أين أصبح الحكم المبرم والملزِم للدولة والذي لا طريقة قانونية لمراجعته؟؟) كل السبب خلف الصمت أن الوزير زحلاوي، وأن الانتخابات خلف الباب.

فليس سراً أن مؤسسات الاستطلاع والاحصاء بدأت نشاطها بكثافة لدى طرفي الصراع في البلد. وبواكير النتائج حول المشهد العام، كما حول المناطق الخاصة والرمادية، باتت تظهر منذ أسابيع على طاولات أصحاب القرار لدى الأكثرية كما الأقلية. وفي شكل عام يبدو أن الصورة الشاملة هي نفسها الى حد كبير، كما كانت عليه عشية الاستحقاق النيابي سنة 2009. تقول معلومات استطلاعية متقاطعة إن الفريقين، إذا أجريت الانتخابات الآن، سيحصدان النتيجة نفسها التي شكلت المجلس النيابي الحالي. ولا غرابة في ذلك. فالاصطفافات حادة، والكتل الوسطية معدومة شعبياً، ورغم كل ما حصل ويحصل داخل لبنان وخارجه، لا يزال شعبنا الفينيقي العربي بامتياز، على ثباته وعناده، «زي ما هوي».

وفي بعض التفاصيل، تقول الاستطلاعات، مثلاً، إن لا شيء تبدل في الشمال. باستثناء الورشة المفتوحة داخل كل فريق، لجهة البحث في توزيع حصصي جديد، أو مقاصة بينية مختلفة. ففي عكار، مثلاً، يأخذ سمير جعجع أرثوذكسياً من المقعدين الاثنين. فيما يردد القبياتيون سراً أن معراب أبلغت هادي حبيش أن مقعده مطلوب أيضاً. وأنه عليه الاستعداد لاعتذار منه، ومن ثم الاعتذار. لكن محصَّلة النتيجة بين فريقي الصراع لا تتغير هناك. والوضع نفسه قائم طبعاً في المنية ــــ الضنية، وفي زغرتا وبشري. وحتى في طرابلس، تشير الاستطلاعات نفسها الى أن المشهد النيابي الحالي سيتكرر في استحقاق 2013، أكان عبر إعادة إئتلاف أو في تنافس. وهذا ما ذُكر أن أفكاراً «مستقبلية» بدأت تعصف لمحاولة تغييره. حتى أن إحداها تقول بإعطاء مقعد فؤاد السنيورة في صيدا للجماعة الإسلامية، انسجاماً مع رياح «الربيع العربي»، ونقل رئيس الحكومة الأسبق الى بيروت الثالثة، على أن يقفز سعد الدين الحريري من الجو مرشحاً بشخصه في طرابلس، في إنزال مجوقل لتأمين تعبئة استثنائية تحسم المعركة بكل مقاعدها، وتثأر من يوم «الغدر» وتبيِّض «يوم الغضب»… حتى أنه يقال إن تفكيراً مقابلاً مطروح في تلك الحال، كأن ينتقل أحد ما من طرابلس الى بيروت الثانية… لكن اياً كانت السيناريوهات، الوضع الشمالي باق على محصلته الرقمية نفسها بين الفريقين.

طبعاً لا تغيير في كل الجنوب من هذه الناحية. أياً كانت الأسماء. بعلبك ــــ الهرمل تسري عليها القاعدة نفسها. تماماً كما بيروت الثالثة، وجبيل وبعبدا. نتائج محسومة بكل مقاعد تلك الدوائر. حتى في «إمارة» الجبل، يبدو أن لا تغيير. فوليد جنبلاط سيدفع أربعة مقاعد في الشوف ثمناً لساعات التخلي والندم. أكان ذلك في تنافس أو في تحالف. مسعاه الوحيد أنه يحاول تصنيف مروان حماده ضمن الأربعة «المستقبلية»، فيما متزلج الألب الفرنسي يقول له: لا، مروان ضمن «أربعتك» ونأخذ نحن أربعة من دونه… في عاليه القصة ذاتها، مناوشة بين أهل البيت الواحد، بقصور عديدة. ومن ثوابت القصور مراعاة بعضها، ولو فوق القبور.

هكذا تظل المعركة الجدية، كما في المرتين السابقتين، في الدوائر المسيحية. وتحديداً في كسروان والمتن الشمالي، وفي بيروت الأولى. لكن ههنا تشير الاستطلاعات أيضاً الى استحالة حصول انقلابات. كل الهامش المتاح هو تسجيل خرق. كأن يخسر ميشال عون مقعداً في كسروان، لا يبدو ممكناً بأرقام اليوم، يعوّضه في الأشرفية أو في البقاع الغربي، حيث تعطيه الاستطلاعات تقدماً لأكثرمن خرق. تبقى زحلة وحدها، دائرة مفتوحة على كل الاحتمالات، وخصوصاً على احتمال تغيير في عدد من المقاعد، قد يبلغ سبعتها. والاستطلاعات نفسها تشير الى أن موقف نقولا فتوش يشكل عاملاً أساسياً من عوامل انقلاب الصورة في دائرة زحلة. زحلة إذاً بيضة قبان لبنان، وفتوش بيضة قبان زحله، فكيف لمن يعرف تلك المكانة ألا يتدلل، في جمهورية فتوش، بمعنى السلَطة، وبالإذن من العائلة الكريمة… هذا إذا حصلت انتخابات.  

السابق
متى ينتهي دور 8 و14 آذار في لبنان؟
التالي
ملكة جمال لبنان مارتين اندراوس تنفي علاقتها بالنائب الجميل