مذهبة الصراع لا تخدم حزب الله

ما حصل في جامعة الأنطونية إثر افتراش 37 طالباً الأرض للصلاة في الباحة الداخلية للجامعة طرح جملة تساؤلات حول الدوافع والأسباب والتوقيت.

تُعيد حادثة الأنطونية إلى الأذهان الإشكال الذي حصل في مدرسة الحكمة في الجديدة على خلفية المهرجان الخطابي الذي أقامه "حزب الله" تكريماً لعدد من مسؤولي الحزب لمناسبة ذكرى اغتيال عماد مغنية، حيث أقام حينذاك نشاطاً استفزازياً من زاوية هوية المدرسة والبيئة غير الحاضنة له والمحلة التي تبعد أمتاراً قليلة من مكان اغتيال الشهيد بيار الجميّل، إذ كان بإمكان الحزب، بكل بساطة، الاحتفال في الضاحية الجنوبية أو البقاع أو الجنوب ومن دون استثارة مشاعر المسيحيّين، ولكنه تقصّد ذلك بغية الإمعان في القهر وفرض الأمر الواقع الأمني-السياسي-والانتقال إلى ضرب البُعد الثقافي.

أمّا حادثة الأنطونية فلا تخرج أيضاً عن هذا السياق، وهي تعبير عن إقحام الدين بالسياسة، خصوصاً أنّ ما ينطبق عليها ينسحب على سائر الجامعات التي رفضت تخصيص مصلى لطلابها، وبالتالي يفترض احترام إرادة هذه الجامعات والالتزام بقوانينها وإلا الرحيل عنها. فالمسألة مبدئية، بمعزل عن حق هؤلاء الطلاب أو عدمه بوجود مصلى لممارسة شعائرهم الدينية، إنما المسألة مرتبطة قبل أي شيء بمحاولة كسرهم بالقوة وعن سابق تصوّر وتصميم قرار إداري صادر عن الجامعة، وهذا بحدّ ذاته أمر غير مقبول ويعيد البلاد إلى زمن الحرب الأهلية وغياب الدولة، فضلاً عن أنه بمعزل أيضاً عن صحّة أو عدم صحّة قرار الجامعة من غير المسموح تحدي هذا القرار وإجبار الجامعة على العودة عنه بقوة الأمر الواقع.

وإذا كان أحد ليس بوارد منع أي فئة من ممارسة شعائرها، فليست "آخر الدنيا" في حال لم يؤمّ هؤلاء الطلاب الصلاة، فحتى رجال الدين أحياناً لا يلزمون أنفسهم بفرائضها اليومية، وبالتالي تندرج هذه الخطوة في إطار المزايدة الدينية-السياسية, فضلاً عن أنهم إذا كانوا فعلاً متدينين، كان يفترض بهم في الأساس عدم الانضمام إلى جامعات غير إسلامية.

وطالما الشيء بالشيء يذكر، تصوّروا مثلاً لو أنّ مجموعة مسيحية على نسق مجموعات "حزب الله" تدّعي بأنّ مار شربل ظهر في الضاحية، وبالتالي واجبها الديني يدعوها إلى تشييد كنيسة باسمه في هذه المحلة، وهكذا دواليك…

هذا في شكل المشكلة، أما في جوهرها، فالمشترك بين واقعتي الحكمة والأنطونية يتلخص في إقحام الدين والخطاب الديني في النشاط الجهادي-الحركي، وهذا الإقحام هو عمل عنفي والخطر بحدّ نفسه، كونه يقرأ الواقع من باب الجهاد، بمعنى أنّ كل ما يتفق، على سبيل المثال، مع المقاومة هو خير، وكل ما يتعارض معها هو شر، أي قسمة المجتمع بين فئة أخيار وفئة أشرار انطلاقاً من معيار من هو مع المقاومة أو ضدّها، هذه المقاومة التي تتحوّل في هذه الحال إلى أساس أي تصوّر.

إنّ قراءة الإسلام بطريقة حركية هي المشكلة التي يعانيها الإسلام اليوم، أي بدفعه الأمور الدينية إلى المجال الجهادي، وهذا ما يشكّل عنوان حركة الشعوب الإسلامية التي انتفضت على التخلّف والتبعية والديكتاتورية، وأبرز تجلّياتها خروج التظاهرات من المساجد للمطالبة بالحرية، والحرية لا دين لها، ويكفي في هذا الإطار متابعة كلام الأزهر ولؤي الزغبي وأحمد الأسير ليتبيّن مدى تناقضه مع الخطاب الجهادي وتأكيده على المبادئ الإنسانية.

يبقى أنّ دور المسيحيّين في كل هذه المعمعة تحويل التعدد إلى مصدر غنى لا تشنّج وأن يقدّموا النموذج الذي انتفضت الشعوب العربية من أجله بتكريس المواطنة والديموقراطية.

السابق
مؤسسة تلفزيونية
التالي
تحذيرات من الفاو.. فهل تصل الحمى القلاعية الى لبنان ؟