كهرباء غزة ومصيرها

– تخطئ «حماس» في غزة، أحد أفدح أخطاء عمرها وتجربتها، إن هي جعلت من شقاء الناس وحرمانهم من الطاقة الكهربائية، مادة دافعة الى غضب شعبي موجه لأي طرف سواها. وفي حيثيات خطئها هذا، تكون «حماس» تخادع نفسها ولا تخدع أحداً، إن لم تتنبه لحقيقة أن الناس، على دراية تفصيلية، بأن محازبيها يمنعون عند فتحات الأنفاق، وصول البنزين والمازوت لاستخدام الشخصي للمولدات الصغيرة للطاقة، ظناً من المتنفذين الحمساويين، أن هذا المنع سيفاقم المشكلة في وجه الفريق الذي ما زال يحكم في مصر. وأن أنين الشعب الفلسطيني في غزة، سوف يستثير «الجماعة» التي اتخذت مجلسها في البرلمان، وليس في وجه «الجماعة» التي اتخذت مجلسها في حكم غزة فخربتها ووقفت على تلها.

إن كان حل أزمة الوقود بكمياته الكافية لانتاج الطاقة الكهربائية، ليس معضلة برسم الحل عن طريق الأنفاق؛ فإن الناس تعلم فوق علمها بحرمانها المتعمد، من الكميات الصغيرة للاستخدام المنـزلي؛ أن طرق جلب الوقود لمولدات الطاقة، متاحة وفق شروط الواقع الفلسطيني، الذي يكرّس حقيقة أن غزة ما زالت خاضعة للاحتلال، وأن وضعها هذا، لن يجد حلاً بمعزل عن التمسك بالترابط المصيري بين مناطق الأراضي الفلسطينية، وليس عن طريق ابتداع وضعية جديدة لغزة، كمنطقة مقطوعة الصلة شمالاً، ومفتوحة على الأراضي المصرية دون غيرها. فلا المصريون يحتملون غزة في مركبهم المُثقل، ولا الوطنيون يريدون غزة كياناً مستقلاً، ولا الشعب يقبل ذلك. لذا فإن آلية إدخال الوقود بالكميات الكافية لتوليد الطاقة الكهربائية، يكون ضمن الغلاف الجمركي الذي يجمع سائر الأراضي المحتلة، باعتبارها وحدة سياسية وجغرافية واحدة. وعندما يكون الإحتلال هو العائق، تصبح القضية جديرة بالطرح على المحافل الدولية، وواحدة من مظاهر العدوان اليومي الذي يتوخى المجموع الفلسطيني له دفعاً، بالوسائل المتاحة!
قبل سنوات، كان الحمساويون يبررون القطيعة بالإصرار على المقاومة. وفي السنوات الأخيرة، تحولوا الى الفعل الذي يقاوم بشراسة هذه المقاومة، لكنهم لم يجلبوا للناس، بشفاعة استنكافهم عن «الجهاد» إلا المزيد من العذابات في الحياة اليومية، فتردت كل مستويات الحياة الى الحضيض، وتغالظت وسائل الإكراه والجباية، وصارت موازنة حكومة هنية، تُعتصر اعتصاراً من قوت الناس، ونام المستبدون على وسادة الاطمئنان، بأن الشعب في غزة يخشاهم لأنهم لن يتورعوا عن إطلاق النار عليه، مثلما يفعل الأسديون في سوريا، وكأن إطلاق النار يمنع انفجار المجتمع، أو كأن ليس هناك حدوداً للاحتمال عند البشر!
ثرثرات الحمساويين، أيام السلطة الوطنية الفلسطينية، كانت تروّج للمنطق الذي يستكثر على المدير العام أو الوكيل في وزارة أو الضابط برتبة عالية، أن يمتلك سيارة صغيرة حكومية يستعملها. اليوم، السيارات في الضفة، سُحبت من الموظفين، وفُرض عليهم شراؤها من رواتبهم، بينما السيارات ذات الدفع بالعجلات الأربع، التي يقودها الحمساويون في غزة، بأكلاف مقتطعة من خبز الناس، يتجول بها الحمساويون، برفاهية وبذخ غليظين، وتكاد لا تتحرك سيارة، من أي نوع، في قطاع غزة، إلا ويقودها حمساوي. أما سيارات المواطنين، وسيارات الأجرة التي تنقل من لا يملكون السيارات، فهي معطلة!
كنا بالسيارة الصغيرة معرضون للشيطنة والتشنيع، على الرغم من جريان سيارات كل المواطنين. فأية شيطنة، وأي تشنيع، يطال الفئة التي لا تتحرك سوى سياراتها الباهظة ذات الاستهلاك العالي للوقود، ولا يوجد الوقود إلا عند أصحابها؟! أليس من واجب «حماس» أن تكون واقعية فتتصرف على أساس أنها باتت مكروهة بامتياز في غزة؟!

اللافت أنهم، ولكي يعالجوا الأمر، بطريقة كاريكاتورية ليست إلا حجة على أصحابها؛ أعلنوا عن «توصية» لعناصرهم، بالتكرم بنقل المواطنين «مجاناً». كأن المواطن الفلسطيني، الذي مرت عليه كل الألاعيب، سيبتلع هذا الكاريكاتير، فيوجه غضبه الى المصريين أو الى «جماعة دايتون». فـ «حماس» لا تعترف بأن أنماط الكلام نفسها تبلى وتصدأ وتصبح مادة للسخرية!

هم يعرفون أن فتح الحدود المصرية مع قطاع غزة، سيوفر لإسرائيل الفرصة الثمينة، لكي تُغلق بوابات غزة من الشمالوالشرق، وتتركها لمصر، لكي ينكسر مشروع الوحدة التمامية، بين غزة والضفة، وبالتالي ينهار مشروع الدولة الفلسطينية. إننا نحذر «الإخوان المسلمين» في مصر، من التماشي مع هذا المخطط، وندعوهم لأن يعتمدوا الطرق التي تكفل وحدة الأراضي الفلسطينية، في اتجاه توفير الوقود وكافة المستلزمات لقطاع غزة، ضمن استحقاقات التهدئة وبموجب الاتفاقات. إن لدى المجلس العسكري في مصر، من الحيثيات والبراهين الاستراتيجية، ما ينبغي طرحه بصراحة، على القوى السياسية في مصر، وعلى مجلسي الشعب والشورى. فالأزمة مفتعلة، وهي نتاج توظيف بالغ القسوة لعذابات الناس، تُعتمد فيه لغة التبسيط التي تختزل الحال بالقول إن غزة تعاني والحياة تحتضر، وأن السبب هو كون الحاكمين في مصر، يمتنعون عن توريد الوقود الكافي لإنتاج الطاقة الكهربائية!

ويجدر التنويه، الى أن خط استغلال موضوع الطاقة، على صعيد شقاء سكان غزة، بدأ منذ مدة طويلة، ولما فُتحت الأنفاق، لوصول الوقود زهيد الثمن من مصر، لتشغيل المولدات المنزلية ومولدات المحال التجارية من صنع صيني، وقعت حوادث انفجار المولدات بفعل ضغوط الاستخدام، وقُتل نحو ثلاثين مواطناً. الآن تفاقم الأمر بفعل منع «حماس» وصول الوقود عبر الأنفاق، وبدأت الضغوط على مصر، وجرت محاولات لدفع الناس الى التظاهر عند المعبر، لكن الفلسطينيين في غزة، يعلمون الحقيقة، ويعرفون أن المسألة متصلة بعملية تلاعب شائنة بمصير غزة!

السابق
بولص يؤكد ان الاسيرة الشلبي في وضع صحي خطير وستستمر في اضرابها
التالي
موسى: لتجاوزالخلافات الحكومية خصوصا حول الملفات الحيوية المهمة