إذا فسد ملح الحكومة..

مقبلات، أجبان وألبان، لحوم وسمك، معلبات على مختلف أنواعها، حلويات، مشروبات وعصائر من المازوت الأحمر.. مائدة فيها "ما هبّ ودبّ" من الفساد.
دعوة حكومية رسمية عامة للبنانيين جميعهم من كل المذاهب والملل والأحزاب، المكان أيضا عام ويشمل كل الأراضي اللبنانية، الشكاوى ممنوعة، فقط التطهير الذاتي مسموح، أرقام الهاتف مفقودة في حال الإعتذار، ومن لا يلبّي الدعوة يهدّد كذلك بالسلاح الفاسد!
عمّمت الحكومة ثقافة الفساد: إقتصاد فاسد، واقع إجتماعي يائس، سياسة ماكرة، إصلاح بائس، مال ممسوس، سلاح زائل، تاريخ ماكر وطعام قاتل. حكومة شكّلت الممر الآمن لكل أنواع "السمّ الهاري" لتتخذ لنفسها صفة إفساد الوطن والمواطن وتتمركز في موقع فقدان الثقة وتنتظر أن يعلن المواطن حالة الطوارئ.
في لبنان ممنوع التجوّل خوفا من السرقات والقتل، ممنوع ارتياد المطاعم لتفادي التسمّم، ممنوع المرور من تحت الأبنية حتى لا تسقط من رأس هرمها، ممنوع شراء المنتجات من المحال التجارية لأن بضائعها فاسدة، ممنوع التنفس لأن الهواء ملوث، ممنوع تناول المياه لأن البكتيريا والفيروسات تغزوها.. والقافلة تسير والحكومة تلوي!

والأدهى من ذلك كله انه أُرسل على المفسدين حكومة.. يفترض ان تكون ملحا للناس ..فبماذا يملح؟!.
وفي أثناء ذلك، جدل حكومي-جمركي عقيم يدور: هل من واجب موظف في وزارة الزراعة أن يكشف على البضائع أولاً قبل المخلص الجمركي أم العكس؟ هل يستورد لبنان لحوماً من الصين، من البرازيل، من الارجنتين، من الهند؟ هل الجمارك على حق أم وزير الزراعة الذي نفى استيراد اللحوم من الصين؟ هل الوزارة الأخيرة تنحصر مهمتها بالتدقيق في الجانب الصحي فقط؟ هل الوزارات وصلاحية ممارسة العمل فيها ملكية خاصة للوزير؟ وهل الحكومة تسعى الى إبادة اللبنانيين باللحوم الفاسدة، بعدما لم تُبقِِ من الدولة سوى الهيكل؟

في عهد حكومة تفوح منها روائح الفساد، والتشبيح على الشعب، يغطي الأوصياء على الوزارات الحساسة العصابات ويحمونها في مناطق نفوذهم، يسمحون للمجرمين بالتمادي في اللعب بصحة المواطنين، يتجاوزون التراخيص، يقفزون فوق القوانين، يهددون أمن المواطن الغذائي، يتخطون الخطوط الحمر دون أن تحمرّ وجوههم أو تصحو ضمائرهم.. فجأة ضُبطت المواد الفاسدة واللحوم "غير الحلال" للإستهلاك، فدبّ الرعب وخوف التجار من العقاب القضائي والحكم "المخفف" وأفرغ المجرمون خلسة ما في الجيب والغيب في مكبات النفايات مسببين قلقا صحيا وغذائيا..ولم تسلم الجرذان والقطط.. أمّا ما صادرته الأجهزة المختصة فأحيل الى المختبرات التي تستشري فيها الرشوة ويستعجل المعنيون فيها فحص المواد بعيدا عن أي أبحاث.. وحتى الصيف تكون البرادات التجارية قد أفرغت ما تحتويه من مواد فاسدة، ويكون لبنان قد خسر السياح والمغتربين، فـ "يسوح" اللبنانيون وحدهم في المستشفيات، ويسيح "ماكياج" الفساد عن وجه كل من يهدد سلامة المواطن.

في الحالة اللبنانية، لا بدّ من عملية تطهير ذاتية، حيث أن الشعب منهمك في التداوي من التسمم والحكومة مأخوذة في البحث بين أكياس القمامة.. كيف ذلك؟ طبعا خاف المسؤولون عن "اللامسؤولية" والإنفلات وانعدام الحسّ الوطني أن يقتحم الفساد براداتهم الخاصة، فقاموا بعملية تطهير "بيتوتية"، لكن الحُفَر بقيت جاهزة في الخارج لتصطاد مفتعليها. ولا يخفى على أحد أن المطاعم التي يرتادها المسؤول لا تقدم الأطباق الفاسدة خصوصا وأنه حفظ رائحتها التي تفوح من مطبخه السياسي عن ظهر قلب، هنا أيضا لم تنجح الحفرة بالإيقاع به، ولكن القدر بالمرصاد وهو بمثابة "آخر خرطوشة" يتمسك بها المواطن المسالم. وبعد البحث والتدقيق، فكر الأخير بأن الحكومة وبعد أكثر من سنة، أثبتت أن "معدتها قطّيعة" تهضم الأخضر واليابس، تتغذى كالفطريات الطفيلية، وتنمو فوق كل ما هو فاسد، وتشرب نخبه من المازوت الأحمر.. علّقت على بابها المقفل "صالحة للإستهلاك"، فتركها تتخبط في فسادها، وتتراشق اتهاماتها، وتفتعل نكاياتها، وترتبك جراء أفعالها.. قد لا يجد المفسدون فيها سوى حلا واحدا للتخلص من بعضهم وفي أسرع وقت ممكن ليتسنى لكل فاسد نشر فساده، فيدسّ كل واحد منهم سمّا للآخر في طبق لحم شهي محشو بالفساد وينضم الكلّ الى مأدبة طعام واحدة مدججة "بالطُّعم" فيصدق فيهم المثل القائل "طابخ السمّ آكله"!

السابق
دوفريج: قدرة الحكومة على الاستمرار مرتبطة بقرار حزب الله
التالي
الإطفاء لنزع خاتم الزفاف من إصبعه