ألأمن الممسوك 

من المستغرب، فعلاً، حالة القلق التي يشعر بها بعض المواطنين على مصير الأمن في البلاد، فلا شيء في الافق يوحي بأن اية تغييرات ستحصل في التوازن السياسي الحالي، وتؤدي بالتالي الى انفجارات أمنية تطيح ما تبقى من السلم الاهلي الذي ننعم به.
لا يكفي ان يتظاهر شبان مسيحيون من الكتائب والقوات اللبنانية معترضين على كتاب التاريخ في المناهج الدراسية من دون ذكر المقاومة اللبنانية التي كانت طرفاً متعاوناً مع الجانب الاسرائيلي خلال النزاع الاهلي، في مقابل تعاون أطراف اخرى مع الجانب السوري. فهذه الاعتصامات التي يرغب البعض في تحولها الى اعتصامات مقموعة بقوة الامن الداخلي والجيش، لا تشير الى امكانية تحوّلها الى حركة اعتراضية جدية. يمكنها فقط ان تزيد من واقع النقمة لدى المسيحيين على السلطات وعلى اخوانهم في الوطن من المسلمين عامة والشيعة خاصة.

ولا تكفي ايضاً دعوات الدكتور سمير جعجع لبدء احتفال قصف وتدمير على غرار نهر البارد، بحق مخيم عين الحلوة هذه المرة، لاثارة حالة من الفلتان الامني في البلاد، والدخول في نزاع جدي بين الشرائح المكوّنة للشعب اللبناني، فهي دعوة لحرب موضعية، تماماً كما كانت حرب مخيم نهر البارد العام 2007، والى اجتثاث مخيم عين الحلوة من الوجود، للقبض على متهم بإنشاء خلية جهادية في الجيش اللبناني، والى تهجير 75 الف فلسطيني من المخيم من اجل ملاحقة الارهاب، وعلى اقصى حد الى تعريض صيدا وخط الساحل الى عمليات رد فعل وقصف نتيجة الحرب المحدودة.

اما ما يجري على الحدود بين لبنان وسوريا فهو لا يشير الى اضطرابات قريبة. مرور بضع مئات من المقاتلين من الجيش السوري الحر في الاتجاهين، يرافقهم بعض الاعضاء الجدد في جبهة النصرة المتبناة من تنظيم القاعدة، وعبور المئات من اللاجئين السوريين الى لبنان، لا يؤدي الى اي اختلال في التوازن الامني الداخلي، حتى لو رغب بعض المقاتلين في تنفيذ عمليات ضد الجيش السوري الرسمي، وقرر الجيش السوري ملاحقتهم وضرب خطوط انسحابهم في الاراضي اللبنانية، الا ان ذلك يبقى ضمن الاطر المقبولة.

حالات بيع وشراء السلاح في الشمال، ونقل الذخائر، وصولاً الى التوتر الشديد الذي يشعر به قياديون مستقبليون من سكان جبل محسن وكل من خالفهم الرأي في الشمال، وحتى فوضى البناء في الشمال، وانهيارات المباني هناك، كل ذلك لا يؤدي الى اختلال في الامن الوطني، فهي مجرد اعمال كلاسيكية يمكن احتواؤها وتجاوزها من دون اضرار تذكر.

المد السلفي وعودة الجمهور الى الاسلام بعد خيبته الشديدة من ثورة الارز وغياب الزعيم سعد الحريري عن الوطن، وتحول الشبان الى متابعة الفكر السلفي والقاعدي، وكره الآخر الى حد الموافقة سلفاً على تكفيره، والدعوات الصادرة عبر الانترنت الى تسلح اهل السنة بانتظار المراحل المقبلة، وللدفاع عن انفسهم، ايضاً وايضاً لا يفترض ان تثير المخاوف، فهي مرحلة عابرة ولن تؤثر على التعايش بين الطوائف الكريمة.
آراء جيفري فيلتمان الاحتفالية بالثورات في العالم العربي، ورأيه السديد باستفادة اللبنانيين وضرورة سعيهم الى اسقاط نظام بشار الاسد في سوريا ايضاً لن تثير اي مشكلات امنية مستقبلا بين اللبنانيين المختلفين على كل شيء بالمطلق.
شدة الانقسام حول سوريا وتأييد نصف الشعب للنظام السوري وتأييد النصف الآخر لاسقاط النظام السوري ولو كان بذبح نصف شعب لبنان، هي ايضاً لن تؤثر في المشهد الامني المستقر، ولن تربك وزير السياحة الذي لا يزال يسعى الى تحويل لبنان الى جنّة سياحية.

عمليات الخطف بغية المبادلة بفدية مالية، والقتل، والسرقات، طبعاً هي اعمال اجرامية بسيطة لا شأن لها بالسلم الاهلي، ولا الفساد المالي وانعدام الرقابة على السلع والادوية الفاسدة وغيرها من الجرائم اليومية، لن تؤدي الى اي اختلالات امنية، وحتماً الحركة النقابية والاعتراضات اليومية على الظروف المعيشية الصعبة، وتراجع الخدمات، وخاصة الكهرباء والهاتف، وسوء الادارة، والارتفاع المتواصل للاسعار والسلع المختلفة، وتدني القيمة الشرائية للنقد، كلها مجرد هوامش ويمكن غض الطرف عنها واعتبارها من اعمال الطبيعة ولا مفر من تحملها ولا داعي لاثارة المشكلات حولها.

صراع الاجهزة الامنية في ما بينها، وتسابقها ايضا لا يغير في الامر شيئا.
ثم قبل كل شيء آخر، نحن في دولة على رأس وزارتها الداخلية وزير كمروان شربل، وان كان ما سبق لا يكفي كضمانة للتأكد من ان الامن ممسوك، فيكفي اسم ووزير الداخلية وطلّته لنعلم ان الامن في البلد ممسوك ولا داعي للهلع.
الله يستر.

السابق
من هو غمراوي؟
التالي
البناء: موسكو تشيد بقيادة الأسد واجراءاته لاستتباب الأمن