أسئلة الشمال..

تدقّ السلطة الأسديّة المأزومة أبواب الشمال اللبناني من جديد، وتفتعل توتيراً ميدانياً يواكب التوتير الإعلامي والسياسي الذي تفتعله جماعات وقوى محلية لا تزال تابعة لها، ولتوجيهاتها وأوامرها ورغباتها.
والأمر مثير لأسئلة كثيرة، عن معنى الذي يحصل، وما إذا كان تمهيداً لشيء أكبر، خصوصاً وأنّ بعض مريدي تلك السلطة في الشمال، سبق وأن حكى و"حذّر" من "مئة نهر بارد جديد"، وأبدى قلقاً شفّافاً إزاء تنامي وجود جماعات مسلحة تعمل ضدّ الشقيقة العتيقة!
وترافق ذلك الضخّ المتجدّد مع مطالبة مندوب السلطة الأسديّة في الأمم المتحدة "المجتمع الدولي" بعد إعادة اكتشافه طبعاً (!) بوقف ما سمّاه تدفق الأسلحة من لبنان إلى سوريا.. متمّماً ذلك بالعودة إلى اعتماد لغة التماسيح في شأن النازحين السوريين، حيث لا وجود لهم في عُرْفِهِ، بل إنّ قضيتهم ليست إلاّ "تلفيقاً تمّ لأسباب سياسية".

هناك دائماً، سابقاً ولاحقاً، شيء غير مفهوم في الأداء السلطوي السوري الميداني والسياسي والإعلامي. وهذا أمر ثبتت صحّته بالوجه الشرعي أكثر فأكثر منذ اللحظات الأولى لاندلاع الثورة. غير مفهوم لأنه تخطّى دواعي القياس الإنسانية الطبيعية والعادية والتلقائية: كيف لسلطة بكل قواها وجبروتها وتجبّرها أن تنكّل بقصَّر وأطفال؟ وكيف لسلطة أياً كانت غربتها السياسية عن رعاياها، أن تستخدم جيشها بكل عدّته، وبكل عدّتها الموازية في البطش، ضدّ هؤلاء الرعايا؟ وكيف لها بعد ذلك أن تطلب اللحاق بهم إلى خارج حدودها؟ وكيف لها أن تستمر في التشاوف وإعلان الانتصارات على مدنييها العزّل فيما أرضها المحتلة لم تشهد طلقة رصاص واحدة منذ أربعة عقود؟ وكيف لها أن تفترض أنّ "هيبتها" يمكن لها أن تسبح مجدّداً (وتنجو) في بحر من الدم؟ وكيف لها فوق كل ذلك، أن تفترض أنّ توسيع نطاق عملياتها إلى خارج حدودها يمكن أن يساعدها في الداخل، أو في "معركتها الكونية"؟ وكيف لها أن تفترض أنّ لغتها البائدة عادت لتكون سائدة على الحياة في لبنان فقط لأن فيه حكومة نأت بنفسها عن كل موقف سياسي معادٍ لها؟!

من أسئلة الشمال، ما يوجّه إلى الداخل اللبناني، وفي اختصارها سؤال واحد لا ثاني له: أين هي القوى الأمنية والعسكرية الشرعية مما حصل مجدّداً عند الحدود الشمالية؟
أسئلة لا تستدعي أجوبة، بقدر ما تستدعي موجبات قلق من أداء سوري يحاول تمديد سياسة الأرض المحروقة في أي اتجاه ممكن.. ولا يزال يعتقد أنّ لبنان، شمالاً وبقاعاً، مسرحاً مؤهّلاً لذلك التمدّد، وأنّ في بيروت مَنْ هو مستعد لإعانته على جنونه في الحكومة وفي خارجها سواء بسواء!

السابق
تحذيرات من الفاو.. فهل تصل الحمى القلاعية الى لبنان ؟
التالي
قرصنة ايميلات الاسد لا زالت مستمرة.. وعقوبات أوروبية اليوم تشمل أسماء الأسد