حزب الله.. الاسم والمسمى

الأحزاب الدينية السياسية تحاول إعطاء نفسها شرعية من خلال عناوين وشعارات دينية تضفي عليها قدسية تربطها بالسماء وتزيد من رصيدها وجمهورها، لكن تطور الحياة وازدياد الوعي والعولمة جعلت كثيرا منها يغير شعاراته إلى عناوين مدنية حديثة، كالحرية والعدالة والديمقراطية والقانون والمواطنة، هكذا حصل في تركيا ومصر والمغرب وتونس.
من المبالغة لأي حزب سياسي مهما كان، أن ينسب نفسه إلى الله (تبارك وتعالى)، لأن الله مطلق الحق بينما المواقف السياسية للأحزاب تتغير وفق المصالح والظروف والتغيرات، حتى إن قيادات الحزب يتم نقدها مرارا على مواقفها وآرائها وسياساتها.
تسمية حزب معين بحزب الله، تفترض أن ما يقابله من الأحزاب أحزاب الشيطان، وهو أمر خطير جدا في احتكار الحق والحقيقة وهو تصفية غير نزيهة للمنافسين السياسيين.
سئل بعض قادة الحزب عام 1989، عن شرعية حزب الله. فأجاب مفتخرا بقراءة الآية القرآنية: «ألا إن حزب الله هم المفلحون» (الآية 22 من سورة المجادلة)، وكأن الآية النازلة قبل أكثر من ألف سنة قد نزلت في حقهم.
لعله نسي أن الآية لم تتكلم آنذاك عن مصطلح الحزب الحالي، وأن لفظ الحزب قد تطور استعماله كثيرا خلال أكثر من ألف سنة، كما أن للآية الشريفة ظروفا معينة ومناسبة لنزولها وقصة واقعة (أسباب نزول الآية). كما أن هنالك آيات كثيرة في مقابلها، كقوله تعالى: «كل حزب بما لديهم فرحون». فإذا أريدت نظرة متكاملة للموضوع فينبغي عندئذ النظر في جميع الآيات التي تناولت الموضوع من جوانبه المختلفة لأخذ صورة كاملة واضحة لجميع جوانبه، لا انتقاء آية معينة مجتزأة عن ظروفها وزمانها وشروطها.
رغم وجود حركة أمل الشيعية في لبنان، فإن إيران أرادت تأسيس حزب تابع لها كليا، وعندها قامت إيران بإخراج بعض القيادات من حركة أمل والتيارات الأخرى وتأسيس حزب الله من خلال قيادات ثورية إيرانية تابعة كليا إلى ولاية الفقيه آنذاك، مثل علي أكبر محتشمي بور، السفير الإيراني في دمشق في الثمانينات، أيام شعارات الثورة الإيرانية الكبيرة وتصديرها، أيام الزهو الثوري العاطفي، ثم تحولوا – بمرور الزمان وتغير الأحوال وخمول الشعور الثوري الحماسي العاطفي ونهاية الحرب مع العراق – إلى مخالفين لولاية الفقيه، فقد أصدر الفقيه حسين علي منتظري نقدا لاذعا لولاية الفقيه، نظريا وعمليا، مما تسبب في إجباره يعيش في الإقامة الجبرية، وحتى وفاته. وأما محتشمي، فقد تحول إلى تيار الإصلاح المعارض لولاية خامنئي، وأغلقت جريدته «سلام»، واتُّهم باتهامات كثيرة. في المقابل، تحول الأمين العام الأول لحزب الله، صبحي الطفيلي، إلى أحد أكبر معارضي الحزب، وتم طرده من الحزب في 24 يناير (كانون الثاني) 1998، بسبب نقده لإيران وللحزب.
اشتعلت الحرب الأهلية اللبنانية، وكان حزب الله يأخذ الفتاوى لقتل خصومه، حتى الشيعة من حركة أمل نفسها، وبدأ الأخ يقتل أخاه في البيت الشيعي الواحد. وعندها قدم الشيعة بينهم عددا كبيرا من القتلى يفوق كثيرا ما قدموه بمجموعهم في مواجهة إسرائيل.. أراد حزب الله أن يحتكر القرار الشيعي ويفرض إرادته على كل خصومه، كما نجده حاليا في ظاهرة نزول أصحاب القمصان السود في الشوارع والساحات والميادين لإرعاب الخصوم وفرض إرادة وحيدة على الساحة، كما أسقطت حكومة الحريري وجاءت بميقاتي لفرض حكم الأقلية، بعد أن كانت الأقلية تمثل الثلث المعطل.
مارس حزب الله اللبناني الكثير من الممارسات الغريبة لصالح النظام الإيراني، وهو يعلن ولاءه ودعمه الكامل لنظام ولاية الفقيه، وكذلك دفاع الحزب عن بشار والنظام السوري بعد كل مجازره ضد الشعب السوري الأعزل.
اتُّهم حزب الله أيام الحرب الأهلية وأيام سطوة السوريين على لبنان بالكثير من الاتهامات، ومنها أربعة أشخاص متهمون من المحكمة الدولية في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، بعد تهديده من النظام السوري، وما زال الحزب يرفض تسليم أعضائه المتهمين إلى المحكمة الدولية.
المرجع الشيعي، محمد حسين فضل الله، بعد أن كان مرشدا للحزب صار تقليده محرما لرفضه وصاية الإيرانيين ورفض ولاية الفقيه الإيرانية واتهامه إيران بالعنصرية ضد العرب في التشيع الفارسي، وقال: «رفضوا مرجعيتي لعروبتي».
كما صرح الشيخ صبحي الطفيلي، بعد خروجه من الحزب، بأن قرارات الحزب الأساسية تنشأ من طهران والولي الفقيه، والكثير من خفايا القرار في الحزب بعيدة عن المصلحة الوطنية والعربية.
يفخر حسن نصر الله بالولاء والتبعية الكاملة لإيران بشكل سافر، وهو ينتقد برهان الدين غليون لأن اسمه فيه لفظ الدين، ونسي أن اختيار الاسم ليس من الشخص بل من والديه، والحال أن اسمه نصر الله، كما نسي أو تناسى أن حزبه قد نسب اسمه إلى الله تعالى فاختار اسم (حزب الله) لنفسه باختياره. فإذا لم يحقّ لغليون أن يُسمى برهان الدين لأن فيه لفظ الدين، وهو لم يختره؛ فكيف يحق لحزب الله أن يختار ويحتكر اسم الله له؟! وهل فوضه الله بذلك؟ ومن نصّبه قيما على الناس؟ وكم عملا سياسيا كان برضا الله أم برضا إيران؟ وهل كل عمل إيراني يرضاه الله تعالى، وهي تقمع شعبها في ظل نظام ولاية الفقيه وقمعه للحريات والكرامة وحقوق الإنسان، والكل يعرف مصير من يخالف ولاية الفقيه المحتكرة للسلطات الثلاث، ولو كان من أرقى الفقهاء، كما حصل للمراجع شريعتمداري وقمي وشيرازي وروحاني، والمراجع العرب كالكرمي والخاقاني وغيرهم؟
والملاحظ هو المعايير المزدوجة الكثيرة لحزب الله؛ فبينما يرفع شعارات عاطفية كثيرة تنادي بتحرر الشعوب وخلاصها من الظلم والاستبداد، إذا هو ينتقد ثورات الربيع العربي، ويدافع عن النظامين السوري والإيراني في كل مجازرهما ضد شعبيهما الطامحين في الحرية والكرامة.
ها هو النظام السوري يقمع بشكل كبير الشعب السوري المظلوم، وقتل عدة آلاف من الشعب، وعددا كبيرا من الأطفال والنساء والشيوخ في مجازر رهيبة في حمص وحماه وحلب وإدلب والزبداني وغيرها، حسب التقارير العالمية من المنظمات الحقوقية. فهل يحق لحزب (أيا كان) أن يقف مع بشار الأسد ويدعمه بمختلف أنواع الدعم ويبقى يسمي نفسه «حزب الله»، حتى تحولت الكثير من الشعوب التي تعاطفت في فترات معينة مع الحزب إلى رفضه وإدانته حاليا، ومعرفة حقيقته الطائفية وتبعيته لإيران ومصالحها المعارضة للعرب واستقلالهم وحريتهم. علما بأن النظام الحاكم في سوريا ليس نظاما إسلاميا بل حزب البعث، وهم أنفسهم قد حاربوا حزب البعث في العراق، لكنهم مع حزب البعث في سوريا بسبب المصالح السياسية والعلاقات الطائفية والتحالفات الإيرانية.
أما آن الأوان لإعادة النظر في تسمية حزب باسم «حزب الله» واستغلال لفظ الجلالة المقدس في مآرب سياسية، وبمراجعة بسيطة من خلال الوقائع والحقائق الكثيرة للحزب على الأرض، وقد بدأت أحزاب دينية في دول عربية بمراجعة شعاراتهم وأسماء أحزابهم إلى عناوين مدنية حديثة، ولأن الله تعالى يقول في كتابه الكريم: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون»، «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا»، «وما الله يريد ظلما للعباد».. ولا يمكن لأي حزب سياسي أن يحتكر الله تعالى له وحده ويحجبه عن العالمين، فالله العظيم أكبر من أي حزب سياسي، مهما كان، وهو للعالمين جميعا، كما أنه رحمة، كما لخص الحق تعالى رسالته في أجمل آية قرآنية شريفة: «وما أرسلناك إلا   

السابق
الربيع السوري
التالي
صورٌ من علائم قيام الساعة