الربيع السوري

مشهد من شريط على موقع "يوتيوب" الإلكتروني لمسؤول في "الهيئة العامة للثورة السورية" من حمص يهاتف "تنسيقية "إسرائيل" لدعم الثورة السورية"، في احتفال أقيم في فلسطين المحتلة دعماً لتحرك المشبوهين في الشام. المهاتف بدأ كلمته مخاطباً المشاركين بعبارة "يا شعب "إسرائيل" الحر" طالبا منهم العون لإلحاق الهزيمة بالرئيس السوري الذي لقبه بهتلر، متوسلاً إليهم الوقوف بجانبه، مخاطباً إياهم بواسطة هاتف خليوي، يعمل مساعد أيوب قرا جاهداً لإلصاقه في تأنٍّ بالميكروفون لبث المكالمة عبر مكبرات الصوت لتحقيق نصر سياسي للصهيونية وإزاله صفة العنصرية عنها. قائد "جوقة" التنسيق أيوب قرا الذي لقبّه "مناضل حمص" بـ "إبن الجولان البار" والذي عانق مسؤولاً صهيونياً بحبّ لا مثيل له "تضامناً مع الثورة السورية" أثناء المكالمة هو نفسه أيوب قرا الصهيوني المتزمّت الذي دعا الى تجديد البناء الاستيطاني في كل أرجاء الكيان المحتل وكان أول الواصلين إلى احتفال ضمّ الحرم الإبراهيمي إلى قائمة التراث اليهودي الذي أقامه نتنياهو لسنتين خلتا. في الوقت نفسه تقريباً انطلقت مسيرة "لليساريين" العرب في حيفا مطالبة بـ "الحرية للشعب السوري الشقيق" كان "مسك" ختامها أغنية ثورية أتحفتهم بها المطربة "الملتزمة" ريم البنا التي تتحضر لإحياء حفل غنائيّ في قصر الأونيسكو في بيروت تحت شعار "الدعم للشعوب الحرة من الزاوية غرباً إلى كفرنبل شرقاً" في الثاني والعشرين من الجاري. نسيت ريم أن فلسطين محتلة، وأن اليهود يتمتعون برائحة هوائها وطعم ليمونها وزيتونها وأن شعبنا المقهور والمسجون والمشرد في فلسطين هو الذي يستأهل كل حفلاتها الغنائية وكل بنات شفتيها، ونسيت أيضا أنها ريم إذ آثرت أن تصبر "كديشاً" يمتطيه الظواهري لجمع المال ولتحميل وتهريب بندقيات "البمب أكشن" على ظهره عبر الحدود لإرهابييه، تماما كما نسي مسؤولو حماس كيفية إطلاق الصواريخ واستعاضوا عن ذلك إطلاق الوعود للشعب في غزة بأنهم سوف يجرون الإتصالات من باحة فنادق الخمس نجوم في قطر ليتوقف العدو عن ذبحهم قريباً،
كما نسوا أن المقاومة في لبنان قدمت الشهيد تلو الشهيد لنصرة فلسطين فحمّلوا بعض ضعفاء النفوس من أتباعهم اليافطات ضدها لأسباب محض طائفية. لائحة الذين "قبضوا" أصبحت تقاس بالأمتار وكيلو الضمير "يا مين يشيل". زاد العرض كثيرا على الطلب، أما يساريّو الهرب إلى الأمام فهم حاقدون على المقاومة فقط لأنهم ليسوا منها وحاقدون على النظام في الشام فقط لأنهم اعتادوا مهاجمة الأنظمة، لكونهم "ثوريين"، علماً أن أسماء الكثير منهم اليوم مدرجة على جدول مرتبات تيار "المستقبل" الرأسمالي، وما انفكوا يلحقون الضرر بالشعب السوري بتوفيرهم الذرائع لتسعير نار الحملة الدولية ضد الشام والمقاومة من خلال مواقفهم التي تصبّ في خانة الطابور الخامس. يهاجمون النظام في الشام لأنه بحسب قولهم "لم يحرر الجولان بعد" و كأن الشام التي تلقت طعنة في الظهر من نظام السادات إبان حرب تشرين قادرة وحدها أن تتغلب على العدو في ظل موقف عربي إما متخاذل أو متعامل وفي ظل إنهاك العراق، العمق الإستراتيجي والسند الأقوى في الأمة، في حرب إيران في الثمانينات وفي حرب الكويت وتداعياتها منذ أوائل التسعينات حتى الآن، ناهيك عن حروب لبنان الدامية التي وجد الجيش السوري نفسه في قلبها لمدة ثلاثين سنة. جماعة الطابور الخامس من اليساريين يعرفون هذه الحقائق تماماً لكنهم لا يتوانون عن كيل النقد الهدّام لمحور سورية-المقاومة أملاً في استقطاب الجيل الجديد الذي يبدأ عادة مسيرته في الحياة ثائراً على كل شيء قبل أن يعود إلى رشده بعد بضعة أعوام ليكتشف إفلاس أولئك اليساريين وزيف مواقفهم، مع التنويه للأمانة بأن أحدهم "أيقن" مؤخراً في مطلع الشهر الجاري أن ثمة مؤامرة دولية على سورية في مقاله الأسبوعي، خاصة بعدما وجد نقصاً في المشاركين على صفحته "الفيسبوكية" من الفئة المؤيدة للنظام في الشام. لا فرق كبيراً بين تنسيقية "إسرائيل" لدعم الثورة ويساريي تيار "المستقبل" والناتو ويساريي الطابور الخامس، فالفئات الثلاث تشكل مجموعة ألوان أو "باليت" واحدة، كما هي الحال في تصنيف ألوان مستحضرات الماكياج، فألوان تلك المستحضرات، كما شرحت لي إبنتي المراهقة عندما سألتها عن سبب وجود ألوان متعددة من الكحل مثلا ضمن علبة واحدة، مرتبة في مجموعات لكل منها موضوع إستخدام معين، فهناك مجموعة ألوان للنهار وأخرى للسهرة، وموضوع "الباليت" التي تنتمي إليها تلك الفئات الثلاث هو العمالة والاصطياد في الماء العكر لمنفعة شخصية. وهي للمناسبة مجموعة ألوان منتهية صلاحيتها، مصيرها مصير المأكولات الفاسدة، في القمامة حيث يقبع "الربيع العربي" في انتظارهما. أتى "الربيع العربي" ورحل تاركا وراءه عصر جاهلية جديد وعلى رأسه أحزاب ترفض الوقوف دقيقة صمت على روح البابا شنودة الثالث لأنه ينتمي إلى طائفة أخرى، مع أنه أول من رفض إتفاقية كامب ديفيد وحرّم التطبيع مع العدو، في حين أن هذه الأحزاب الرجعية منهمكة بتطمين العدو أنها تحترم إتفاقات الخيانة التي وقعها السادات وتحرس سفارته خوفاً من أن يطالها ثوري حقيقي بحجر، وتطالب أحزاب أخرى بتشريع حق اقتناء الجواري في يوم عيد المرأة العالمي، وتحمل بطلة نوبل للسلام حقيبة هيلاري كلينتون وتلهث وراءها وتنفذ تعليماتها بحسب أجندة الأخيرة الإمبريالية ومنها زيارة لاجئين سوريين مُخترعين في تركيا فقط لتشويه صورة الشام وجيشها الباسل. رحل "الربيع العربي" إلى سلة مهملات التاريخ إلى غير رجعة بالسرعة نفسها التي أتى بها، وجرفت عواصف آذار أذياله إلى قعر البحر، وبعد انقشاع العاصفة عن حمص وإدلب وعودتهما إلى كنف الأم سورية يوم عيد الأم، الذي يذكرنا دوماً بفعل الولادة والطهارة والمستقبل الواعد، نستبشر ببداية ربيع سوري طويل الأمد سيمتد إلى كل زوايا الأمة.  

السابق
عندما تحول الاسد الى بطة!
التالي
حزب الله.. الاسم والمسمى