ريم البنا: أريد أن أنقل فلسطين إلى لبنان وأصل فلسطينيي الداخل بالخارج

لا تخفي الفنانة الفلسطينية، ريم البنّا، نضالها «المزدوج» منذ سنوات قليلة، فابنة الناصرة التي عرفت الاحتلال وعانت من وحشيته على مختلف الصعد، وجدت في بداية مسيرتها أن على الفن أن يكون نوعا من «سلاح» لتواجه عبره هذه الذاكرة الفلسطينية التي يحاول (الاحتلال) إخفاءها. من هنا تجد أنها «لا تمارس الفن من أجل الفن»، بل «لأني فلسطينية أجد أنه يجب أن تكون لديّ علاقة متينة مع الواقع الفلسطيني، من المفترض عليّ أن أحكي عنه وأن أنقل همّ شعبي إلى العالم. بالنسبة إليّ الغناء والموسيقى نوع من السلاح المقاوم ضد الاحتلال. عندما أستطيع إيصال الواقع الفلسطيني للعالم، لا بدّ من أن ذلك سيحدث تأثيرا ما، وهذا التراكم لا بدّ بدوره من أن يؤدي إلى التضامن مع شعبي ومع قضيته»…

هذا الهمّ، ظهر واضحا عبر الألبومات الـ11 التي أصدرتها لغاية اليوم، والتي نحت في جانب كبير منها، إلى التراث الفلسطيني، لكن ذلك لا يعني، أنها لم تُفرد مساحة واسعة لعملها الخاص، أيّ أن تقدم رؤيتها، هي، المختلفة في الفن والموسيقى، حتى أنها تحضر حاليا ألبوما جديدا، تلجأ فيه إلى القصائد الصوفية، لتختار بعضا من قصائد ابن الفارض والحلاج ورابعة العدوية، وغيرهم.
تحولات طويلة، إذاً، عرفها مسار ريم البنّا، في الغناء. فالفتاة التي كانت من أوائل الفتيات الفلسطينيات اللواتي صعدن، في الأرض المحتلة على خشبة المسرح، لتستعيد أغاني مارسيل خليفة وخالد الهبر وأغاني فيروز الوطنية، ذهبت لمتابعة دراستها في موسكو، وحين عادت إلى الناصرة وجدت أنه «يجب أن أخوض تجربتي الخاصة، فبدأت التلحين مع زوجي السابق، لأنحو إلى بلورة فكرة معينة عمّا يجب أن أقدمه، وعمّا يجب أن يكون طريقي الخاص».
الفن، بالنسبة إليها أيضا، أصبح اليوم، بعد العديد من الألبومات التي وضعتها في طليعة الجيل الجديد، الذي انتحى بالأغنية الجديدة إلى أمكنة أخرى.. ربما تستطيع الحديث عن «رسالة ما»، إذ ان الفن، كما تقول «قادر على أن يصل إلى كلّ مكان بالرغم من الحواجز والموانع والقوانين، إنه قادر على أن يتجاوزها. أنا فلسطينية أنتمي إلى كل فلسطين، الكاملة، وصوتي صوت كل فلسطين، يأتي من هذا الشعب».

نضالها الآخر الذي عرفته منذ سنوات، كان ضد المرض الذي أصيبت به، لكنها جابهته بعناد مثلما جابهت الاحتلال «فكما تعاملت مع الاحتلال الذي احتل أرض، تعاملت مع المرض الذي احتل جسدي، لذلك لم أجد صعوبة في هذه المجابهة. حالتي اليوم مستقرة. علمتني التجربة أيضا كيف أقيّم الوقت في سباقه مع الوقت. لذلك أجدني مندفعة بقوة إلى التلحين، حتى ليبدو أنني لا استطيع التوقف عنه». هذه التجربة، علمتها أيضا، كيف تخوض في تجارب موسيقية غير معتادة عليها، تقول «إنها تجارب جريئة أكثر وتنحو إلى المغامرة أكثر». كل ذلك، علّمها «حِكمة» مبكرة إذا جاز القول: «لا أتمنى أن أموت بالمرض، لأنه موت جبان، بل برصاصة مثلا».
وبما أنها تريد أن تحمل صوت فلسطين، تجد ريم البنا انه من حقها أن تغني في جميع الدول العربية، لذلك شكلت الدعوة الذي وجهها لها «نادي لكل الناس»، لتقيم اليوم حفلا، في قصر اليونسكو في بيروت، حلما رغبت في تحقيقه منذ سنين. صحيح أنها المرة الثانية التي تزور فيها بيروت. الأولى كانت منذ سنتين تقريبا، حين استضافها برنامج «خليك بالبيت» (مع زاهي وهبي). يومها تحدثت عن تجربتها، لكنها لم تقف على خشبة المسرح، الذي يشكل لها كل شيء. من هنا، جاءت الدعوة هذه، لتتيح لها أن تنقل «رسالتها». «إنها المرة الأولى التي أغني فيها في بيروت، سأقدم الأغاني التي يعرفها الناس، سأنقل معي لبنان إلى كل فلسطين المحاصرة، وسأنقل فلسطين بكامل شعبها وأرضها، إلى لبنان. سأتجول في الواقع الفلسطيني، سأقدم أغاني حب، سأعود الى تراثنا، لألقي الضوء على جزء من تراثي عبر الغناء. إذ بما أن الفلسطينيين لا يستطيعون المجيء، سأعتبر أن حفلي هذا «محاولة وصل»، لأعيد اللحمة، عبر الموسيقى، بين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي المخيمات».

تجربة الغناء في لبنان، جعلتها أيضا تقف أمام تجربة جديدة، إذ ستغني للمرة الأولى مع فرقة، جميع موسيقييها لبنانيون: جان مدني (باص)، رائد خازن (غيتار إليكتريك)، فؤاد عفرة (درامز). وما زاد، بالنسبة إليها، في زيادة «الإثارة» على هذه التجربة، أن التمارين التي سبق الحفل جرت «في استديو زياد الرحباني». هذه الخصوصية، في التجربة التي ستخوضها مع الموسيقيين اللبنانيين، تتمثل في اعتبارها «أن العمل مع جنسيات (موسيقية) مختلفة، له نكهة حضارية مميزة، وثقافة معينة، لأن كل فنان لا بدّ من أن يحمل داخله كل ثقافته التي ينحدر منها، والتي يظهرها في عزفه. أضف إلى ذلك، انها المرة الأولى التي أعمل فيها مع فرقة عربية بالكامل، إذ غالبا ما يكون معي موسيقيون غربيون».
هذه الليلة إذاً، ستحقق ريم أحد أحلامها «الغناء في هذا البلد الذي حلمت بأن أصل إليه. ثمة تراكم وجداني تجاه لبنان يمتدّ منذ أكثر من عشرين سنة. أحلم بأن أنجح بنقل فلسطين، كي يلامس الجميع أرض فلسطين بأهازيجها وبرائحة بحرها ورائحة ليمونها وزعترها..»
ريم البنا تغني اليوم في بيروت (الثامنة والنصف) ولربما «احتلّ» صوتها الآتي من تلك الجراح المستمرة، جزءا من ذاكرة قادمة…

السابق
كتاب التاريخ بين شباب الأحزاب
التالي
وثيقة تيار المستقبل: خمس ملاحظات