من كل قلبي جهود أثمرت

مسلسل "من كل قلبي" فيه الكثير من التفاصيل التي تحصل للمرة الأولى، وفيه الكثير من الجهود المبذولة. للمرة الأولى تلعب الفنانة مايا نصري بطولة مسلسل لبناني، وللمرة الأولى تؤدي الممثلتان هيام أبو شديد وشقيقتها نغم أبو شديد مشاهد مشتركة، وللمرة الأولى يتولّى جو فاضل إخراج مسلسل تلفزيوني، وللمرة الأولى تقوم شركة Via Media بإنتاج مسلسلٍ درامي.

كل هذه "المرّات الأولى" أسهمت في إضافة لمسة خاصّة إلى العمل لكنّها لم تحل دون وقوعه في بعض الثغر. القصة التي كتبها طارق سويد تدور حول كميل (طلال الجردي) المتزوّج من كارلا (نغم أبو شديد) ويخونها مع لارا (مايا نصري) بعدما أوهمها بأنّ زوجته ستموت قريباً وعندها سيتزوّجها. شقيقة لارا التي تُدعى يمنى (بريجيت ياغي) هي طالبة في الجامعة تدرس الطب تربطها علاقة بشادي (طارق سويد) الذي كان بدأ يتعبها بغيرته المَرَضية، فصارحته برغبتها في الإنفصال عنه ممّا جعله ينفعل ويقود بجنون عرّضه إلى حادث أدّى إلى تشوّهه. يمنى التي ستشعر بالذنب لما حصل مع شادي يبدأ إعجابها بوسام (باسم مغنية) الذي انتقل من ضيعته للعمل بستانياً عند عائلتها. هذه بإختصار الخيوط الأساسية التي نسج منها سويد حبكة مسلسله، مستعيناً بخطوط ثانوية يربط من خلال الحوادث بعضها ببعضٍ. اللافت في كتابة سويد التي تطوّرت في هذا العمل بشكلٍ واضح أنّه استطاع منذ الحلقة الأولى أن يرسم ملامح الشخصيات الرئيسية وأن يُدخِل المُشاهد في القصة ليهتم بمعرفة ماذا سيحصل مع كل شخصية.

المسلسل الذي لا يخلو من التطوّرات في الحوادث لا يخلو أيضاً من بعض التطويل في المَشاهِد. صحيح أنّ المخرج جو فاضل أحسن إستغلال الإضاءة وحركة الكاميرا مقدّماً صورةً جميلة بإدارة فنية جيدة، وصحيح أنّ المَشاهد تم تقطيعها بشكلٍ جيّد، لكنّ الإيقاع كان في إمكانه أن يشدّ الناس أكثر لو كان أسرع بقليل، فيتم قطع الثواني "الطويلة" بعد نهاية الحوار بين الشخصيات، واختصار المَشاهد الصامتة وخصوصا حين تكون الفكرة قد وصلت منذ اللحظات الأولى، عندها تكون الثواني اللاحقة عنصراً يتسبّب بالشعور بالملل. هذه الثواني التي نتحدّث عنها يمكن أن تؤلّف، حين تجتمع، دقائق طويلة كان يمكن الاستفادة منها لإضافة تطوّرات تزيد تعلّق الجمهور بالمسلسل.

على صعيد التمثيل يمكن القول إنّ الجوّ العام جيّد إذ لا نقع إلاّ نادراً على أداء غير متقن أو إنفعال مصطنع. مايا نصري استطاعت إثبات موهبتها في التمثيل لبنانياً بعدما أثبتتها عربياً، مع الإشارة إلى أنّها تخرّجت في معهد الفنون الجميلة في إختصاص المسرح رغم أنّها عُرِفت في لبنان بأنّها مغنية. طلال الجردي عرف كيف يجعل المُشاهد يضيع بين التعاطف معه وبين الإصطفاف ضدّه من خلال شخصية خيّرة وشريرة في آن واحد. طارق سويد أتقن حركات الشاب الذي يغار بشكلٍ مَرَضي مع الإنفعالات التي يشعر بها مَن تعرَّض إلى تشوّه في وجهه. باسم مغنية مقنعٌ بدور الشاب الفقير المتصالح مع نفسه، واستطاع أن يؤدّي دوره بشكلٍ جيد فتنقّل إحساسه بين الحزن على حبٍّ ضاع والأمل في حبٍّ قادم. بريجيت ياغي بدت أكثر نضجاً في التمثيل وأكثر عُمقاً في نظراتها فجاء أداؤها طبيعياً. أمّا أكثر الممثلين لفتاً للنظر في هذا المسلسل فهي نغم أبو شديد التي تقمّصت شخصية المرأة التي تتعرّض للخيانة وجعلتنا ننسى أنّ ما نراه هو مجرّد تمثيل فشعرنا في أكثر من مشهد بأنّ ما تؤدّيه هو حقيقة تحصل فعلاً! ورغم أنّ مشاهدها مع طلال الجردي كانت جيدة، لكن تبقى المَشاهد التي أدّتها مع أختها هيام أبو شديد هي الأكثر تميّزاً حيث بدتا طبيعيتين جداً.

إنتاجياً يمكن القول إنّ شركة "فيا ميديا" (أسسها طلال الجردي مع كمال ترو، سامر سعيدي، وطارق سويد) أمّنت ما يلزم لظهور العمل في مستوى لائق، وقد ظهر ذلك جلياً في كل المشاهد التي تحتاج إلى كومبارس مثل مشهد العرس، أو في المشاهد الخارجية التي تحتاج إلى معدات خاصّة مثل المَشاهد التي تدور داخل سيارة متحركة.
لا يمكننا إلاّ أن نتمنّى "من كل قلبنا" أن يلاقي هذا المسلسل (20 حلقة) النجاح الكافي الذي يخوّل القيّمين عليه تقديم عمل جديد علّ المنافسة في الدراما اللبنانية تصبح أوسع عندها يصبح المستوى أعلى فأعلى!

السابق
يهرمن وأبناؤهنّ كالملائكة لا يكبرون
التالي
الخلية السلفية