من بلاد الاغتراب الى لبنان.. عذرا أماه على بعدي عنكِ

سلمان غازية شاب لبناني من بلدة "عين جرفة" الجنوبية، قضاء حاصبيا، سافر الى قطر، تاركا بيته واسرته ووطنه، حاله حال عدد كبير من الشباب اللبناني الذي يهاجر يوميا بحثا عن فرصة تأمين حياة معيشية أفضل، نظرا لضيق مجالات العمل، وانخفاض الاجور التي إن وجدت، لا تكفي الشاب لتأسيس منزل واسرة.

في الهجرة، يتأقلم الشباب مع كافة الامور، ويندمجون في البيئة، التي يقصدونها، ويحتفلون بالاعياد كافة بشكل طبيعي إلا عيد الام، الذي يمرّ بحرقة وأسى. في هذه المناسبة يقول سلمان:" ما بشعر بالغربة إلا وقت عيد الام، لان كل الاعياد تمرّ بشكل عادي، لكن عيد الام مختلف لا يمكن أن يمرّ من دون دمعة"، ويكمل " من مساوىء الغربة ليس انها فقط حرمتنا من وطننا الام، ولكن حرمتنا ايضا من حضن الام".

في عيد الام.. تلك الاسطورة، الرسولة، لا اعرف ما هي؟ هي التي وضع الله لها الجنّة تحت قدميها.. هي اول الاساطير المعروفة، وآخر الاغاني المنشودة.
21 آذار، يوم يحتفظ به كل منّا في ذاكرته عاما بعد عام، ونتلقفه بفرحة، ونحتار فيه عن الطريقة الامثل للتعبير عن حبنا وامتناننا لتضحيات امهاتنا اللواتي سهرنّ وحضنّ وتحملن من أجلنا. فنسارع بشراء الهدايا والحلويات ونجتمع في منزل العائلة للاجلها ، والاستمتاع بدفء حنانها وقبلاتها، وهذا ما يفتقده المغتربون البعيدين عن امهاتهم.

"اربعة مليون لبناني يعيشون في نعيم، لانهم قادرون على ان يكونوا مع امهاتهم ويعايدونهم في هذا اليوم"، بهذه الكلمات عبّر سلمان عن شوقه، ورغبته في ان يكون بالقرب من والدته، وتقبيلها، والنوم في حضنها والاحتفال بعيدها، ولكن الواقع المفروض يمنعه من ذلك فيستعيض عنها بالتخطيط مع شقيقه في الجنوب لتجهيز حفلة، واحضار هدية لها، تعبيرا منه عن رغبته بالوجود معهم في هذا اليوم.

في قطر، يعيش سلمان مع عدد من الشبان من ابناء بلدته، فهم يعملون في المكان نفسه، يتناوبون في ساعات العمل ويتقاسمونها كل بحسب مهمته، وعند المساء يسهرون امام شاشة التلفاز لمتابعة أخبار لبنان والمنطقة من جهة، وبين ايديهم "لابتوب" لمتابعة شؤون بلداتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، متلهفين لكل جديد متفاعلين مع كل صورة او كلمة تأتي من هناك.
هناك، تقطع الايام بروتين قاتل، يمتزج فيها الضحك والتعصيب والمللّ والتعب، ولكن تبقى صورة الام وتوصياتها ودعواتها امام اعيّن هؤلاء الشباب خوفا من زعلها، "لا انسى ملاحظاتها، واتجنب القيام بكل ما يمكن ان يضايقها او يحزنها، كي تبقى راضية عني". ويكمل سلمان: "في قطر كل شيء يذكرني بأمي، لاسيما حين اقوم بالاعمال المنزلية، فاستذكر تعبها ليلا نهار، وسهرها على راحتنا".

تحدث بشوق يفوق الوصف، كما ملايين الالسن من الشبان اللبناني المهاجر الذي يعجز عن وصف مكامنه وشوقه وحسرته خجلا من امه وكأنه يقول: عذراً أمّاه على هذا القدر الأحمق الذي يرميني في الغربة بعيدا، عذراً أمّاه على عدم تقبيلي يديكِ كل صباح، عذرا أماه من دموعك، ومن خفقان قلبك خوفا علي، عذرا على بعدي عنكِ.. فلا أكون حتى يوم عيدك.. بالقرب منكِ..

ينعاد على كل ام.

السابق
إطلاق نار قرب منزل اللينو وإصابة أحد مرافقيه
التالي
عن الإكليروس السياسي اللبناني