كوهين: على لبنان الحيطة والتنبه

هل حملت زيارة نائب وزير الخزانة الاميركية لشؤون الارهاب والاستخبارات المالية ديفيد كوهين أمس أبعادا سياسية ومالية تتخطى الاهداف الحقيقية لها، أم إن الاجواء التي سبقتها وتحدثت عن توجه أميركي نحو زيادة الضغوط على ايران وسوريا تأتي في محلها وتشكل البند الابرز على أجندة المسؤول الاميركي الذي حط في بيروت أمس ضمن جولة في عدد من دول المنطقة تهدف الى التركيز على العقوبات وإستطلاع مدى التزام دول المنطقة ولا سيما الحليفة منها تطبيقها، بما يحول دون أي تفلت تفيد منه طهران ودمشق؟

يحسم المسؤول الاميركي الجدل حول أهداف زيارته بالتأكيد أنها تصبّ أولا في إطار زيادة الضغط الدولي على النظامين الايراني والسوري، والتأكد من عدم تمكنهما من الافلات من العقوبات. أما في ما يتعلق بلبنان، فيؤكد كوهين أن الرسالة الاساسية التي نقلها الى المسؤولين واركان القطاع المصرفي الذين التقاهم تركز على ضرورة اتخاذ "أقصى درجات الحيطة، والتنبّه لعدم الانزلاق في اتجاه السماح لسوريا أو ايران باستغلال الساحة اللبنانية للتفلت من العقوبات".
وقال في حديث الى "النهار" غداة جولته على المسؤولين إن "الهدف من الزيارة ليس الضغط على لبنان تحديدا أو على قطاعه المالي"، مبديا تفهمه لأهمية هذا القطاع كواحد من أعمدة الاقتصاد وعنصر أساسي للثقة به، وانما التنبيه الى المخاطر المترتبة على العلاقات القوية التي تجمع بين النظام المالي في لبنان وسوريا.

ويمتنع كوهين في مستهل حديثه عن التعليق على الاجواء التي سبقت زيارته ووضعتها في إطار استهداف "حزب الله" من جهة، والتضييق على النظام السوري من البوابة اللبنانية من جهة أخرى، لكنه يقول انها المرة الاولى يزور بيروت، وقد سبقه اليها عدد من المسؤولين في الوزارة أو المساعدين له في إطار متابعة المواضيع المالية علما أنه كانت له لقاءات ومشاورات سابقة مع الحاكم وعدد من المسؤولين ولا سيما خلال متابعة ملف البنك اللبناني – الكندي.
وكشف ان زيارته لبيروت "تأتي ضمن جولة تشمل العراق والامارات العربية المتحدة، وهي فرصة لتجديد التزام الادارة الاميركية حيال لبنان وحكومته. والهدف الاساسي هو التركيز على العقوبات الدولية لايران وسوريا، فضلا عن البحث في مواضيع اخرى تتناول مكافحة تبييض الاموال والتمويل غير الشرعي".

وعن ملف العقوبات على سوريا، وهل يعتقد ان الرئيس السوري ينجح في التفلت من العقوبات وما الاجراءات التي ستتخذها الادارة الاميركية في هذه الحال، أجاب: "في الاشهر التسعة الاخيرة كان ثمة جهود قوية تبذل من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية التي تبنت بدورها مجموعة من العقوبات شملت المصرف المركزي السوري والبنك التجاري السوري ونحو 19 شخصية رسمية وبعض الاشخاص من عائلة مخلوف، وأهميتها تكمن في أنها صادرة عن الجامعة العربية، اما على الصعيد الاقتصادي فأهميتها أنها تزيد الضغط على النظام ومن يدعمونه لمنع الوصول الى اموالهم ولتقليص قدرتهم على الامساك بالسلطة.
وبسؤاله كيف تتفلت سوريا من تطبيق العقوبات، وقد شهدنا استمرار تعامل المصرف المركزي السوري ومؤسسات مالية سورية عبر نظام "السويفت" لسداد فاتورة تصدير النفط الى روسي؟ يتحفظ كوهين عن حقيقة تصدير النفط السوري خصوصا في الاشهر القليلة الماضية، مشيرا الى مدى تدهور الاوضاع الاقتصادية في سوريا التي تعتمد في الدرجة الاولى على قطاعي النفط والسياحة.
وهل هذا يعني ان سوريا قادرة على التفلت من العقوبات عبر الساحة اللبنانية وان المصارف اللبنانية تسمح بتسرب الاموال بطرق غير قانونية؟ يجيب: "يسعى نظام الاسد إلى التهرب من تطبيق العقوبات، ونحن نلمس ذلك. وما نريده من لبنان وهو ما أثرناه مع السلطات فيه الا يكون بابا أو منفدا لتفلت سوريا. فالنظام يسعى للهروب من العقوبات ونحن نقوم بما نقوم به مع شركائنا من اجل الحؤول دون حصول ذلك، ولكي تأتي العقوبات قاسية وتحقق هدفها. ليس سرا إن قلت إن للبنان علاقات قوية مع سوريا، وما يهمنا أن يضمن لبنان ألا يتحول قطاعه المالي منفذا لسوريا. وهذا يشكل مصدر قلق لدينا، وهو مبرر لأن النظام يحاول ايجاد طرق للتهرب. وأحد أسباب مجيئي الى لبنان يكمن في العلاقات المالية التي تربط لبنان بسوريا، وهذا مدعاة قلق بالنسبة الينا. وما يقلقني هو هشاشة النظام المالي ( vulnerability) حيال النظام المالي السوري".

 هل نفهم من كلامك أننا قد نشهد أزمة جديدة على غرار ما حصل مع البنك اللبناني – الكندي؟
– لم آت الى هنا لأتحدث عن وضع محدد، وليست هذه الغاية من الزيارة. ولكنني هنا لأسلط الضوء على اهمية أن يكون هناك حذر وتنبه تام لضمان عدم تعريض النظام المالي اللبناني وعدم استغلاله سوريا. يجب اتخاذ أقصى درجات الحيطة لحماية النظام المالي من أي انزلاق يتيح للنظام السوري استغلال الساحة اللبنانية للتهرب من العقوبات الدولية. والمقصود هنا ليس الضغط على القطاع اللبناني، بل على سوريا وايران، وتنبيه لبنان الى الاخطار المحيطة.

ولكن الا تعتقد أن مثل هذا الضغط يؤثر على القطاع وإن بشكل غير مباشر، والمعلوم ان هذا القطاع يمثل احد أعمدة الاقتصاد اللبناني؟
– أنا أتفهم أهمية القطاع المالي، لكنني ألفت ايضا الى مصلحته وأدعوه إلى أن يكون حذراً ومدركا للأخطار المحيطة، وقد شددت على ذلك في لقاءات اليوم ( أمس) كما شددت على أهمية التنبه لعمليات تبييض الاموال الضخمة التي تحصل في العالم حاليا.

 ولكن اذا كانت ادارتك تهتم بحماية القطاع المالي، فلماذا ممارسة الضغط عليه؟
– أعود وأكرر ان الضغط ليس على لبنان، واعتقد أن المصارف والحكومة بذلت جهودا لتحصين نظامها المالي وقوانينها، لكنها تظل في حاجة الى المزيد لأن النظام لا يزال هشا ومعرضا بسبب علاقته بسوريا. للبنان دور مهم ومسؤولية كبيرة في تفادي أي استغلال لموقعه.
وختم مؤكدا ان رسالته لا تقتصر على لبنان بل على كل الدول التي سيزورها وبالتالي لا تستهدف لبنان تحديداً. وقال: "لا نقوم بما نقوم به من دون أن نفكر. وعندما نتصرف فذلك لأننا نشعر بأن علينا أن نفعل ذلك. والقارئ يجب أن يدرك أننا لا نأخذ هذه الامور بخفة، بل لنحمي نظامنا المالي ومؤسساتنا".

السابق
شبكة توفيق طه: تشكيك في الوقائع
التالي
عين الحلوة يعود إلى دائرة الضوء مجدّداً