عين الحلوة يعود إلى دائرة الضوء مجدّداً

أياً تكن الأسباب المباشرة والدوافع غير المباشرة التي حدت بقسم من فلسطينيي مخيم عين الحلوة الى رشق عناصر الجيش المتمركزة حول المخيم بالحجارة، فهو مشهد لم تلتقطه العين منذ زمن، لذا فهو خطير بكل المقاييس والمعايير، ويعيد بالذاكرة الى مرحلة سوداء ظن البعض انها صارت من ماضٍ أسود ولّى، وهي المرحلة التي سبقت اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975 حيث كان الاحتقان الفلسطيني على أشده، وربما كان ثمة ما يبرر يومذاك ذاك السلوك الطائش والتصرف العدواني. لذا، فإن ما حصل مساء أول من أمس في محيط التجمع السكاني الأكبر للاجئين في لبنان، يتعدى كونه مسألة عرضية، كونه يحمل في طياته وأعماقه دلالات ومعاني على قدر من السلبية بل من الخطورة تتصل بمستوى العلاقة اللبنانية – الفلسطينية من جهة وبمستقبل الوضع الأمني والسياسي اللبناني في ضوء تداعيات الحدث السوري من جهة أخرى، فضلاً عن كونه يعيد تسليط الضوء على اشكالية المخيمات الفلسطينية في لبنان، لا سيما في ظل ما صار يعرف في قاموس السياسة العربية بـ"الربيع العربي".
الثابت ان هذا المخيم الفلسطيني الذي صار منذ زمن عنوان التوتر، ومصدر خبر دائم لوسائل الإعلام، لأن "بريد" هذا الاعلام لا بد وان يحمل يومياً تطوراً حديثاً من داخل هذا المخيم، بدأ يجذب الانظار بشكل أكبر في الآونة الاخيرة منذ أن كثر الحديث عن مسألة "بؤر" تهريب السلاح والأعتدة الى الاراضي السورية الملتهبة.
إلا أن الامور نحت نحو الاسوأ بعد تطورين اثنين: الاول تمثل في نبأ اماطة اللثام عن شبكة تخريبية في الجيش، تبين ان رأسها المدبر "أبو محمد طه" موجود في حمى عين الحلوة، وبالتالي، ارتفعت وتيرة الضغوط على الفصائل والمنظمات الفلسطينية بغية تسليمه الى السلطات اللبنانية.
والثاني، كان نتيجة للأول اذ شددت وحدات الجيش المنتشرة حول المخيم إجراءاتها الأمنية.
وهكذا وخلال وقت قصير صار المخيم خبز الإعلام اليومي، فضلاً عن أن ثمة تجربة مماثلة جرت في أعقاب فرار مجموعات ورموز من "فتح الاسلام" الى المخيم بعد احداث مخيم نهر البارد، تتكرر مجدداً، حيث بات المخيم في حينه أمام أمرين صعبين: إما تسليم المتهمين وبينهم القيادي الاصولي الخطير عبد الغني جوهر (قُتل لاحقاً في عملية مدبرة) وآخرين، وإما وضع غير طبيعي للمخيم وسكانه والفصائل والقوى الموجودة فيه إذ تصير هي المطالبة بمعالجة الموضوع أمام السلطات اللبنانية وأمام بعضها البعض، مما يرفع حكماً الاحتقان داخل المخيم المثقل أصلاً بالتوترات.
وفي هذه الحال تتداخل الامور وتتشابك الخطوط لا سيما بعد ان تتعدد الرؤوس والوسطاء الذين عادة ما يخلفون بتعهداتهم، لأنهم في نهاية المطاف يقولون للجهة اللبنانية المولجة بالمتابعة انهم غير قادرين على المضي في الامور الى حد اشهار السلاح وتحمل تبعة الدماء الفلسطينية التي حتماٍ ستسيل وتسفك.

وعليه، ولمقاربة التطورات الاخيرة في عين الحلوة، لا بد من الحديث عن 4 قضايا وبنود اساسية على صلة وثيقة بالحدث وهي:
1- اخفاق السلطات اللبنانية والجهات الفلسطينية بعد مضي أكثر من سنة من الجهود والاتصالات شارك فيه مسؤولون فلسطينيون مقيمون في الساحة اللبنانية وآخرون أتوا من جانب السلطة الفلسطينية، في ترجمة تفاهم كان قد سبق التوصل الى خطوطه العريضة، ويقضي بإنشاء قوة أمنية فلسطينية مشتركة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وقوى التحالف الفلسطيني داخل المخيمات تكون بمثابة مرجعية.
وهكذا، أدى عدم نجاح تجربة المرجعية الأمنية داخل عين الحلوة وسواه من المخيمات، الى إخفاق حوارات واتصالات ولقاءات بين الجانب اللبناني والجانب الفلسطيني استمرت اعواماً وعلّقت عليها آمال كبار في ما صار يعرف بملف المخيمات الفلسطينية والتي صارت بشكل أو بآخر ملجأ لكل من له ثأر مع السلطة اللبنانية.
2- أعادت قصة رأس الخلية الارهابية المكتشف وجودها في الجيش اللبناني كتطور خطير غير مسبوق، واعلان وجوده في مخيم عين الحلوة، واستعصاء عملية تسليمه الى السلطات رغم اعلان الجهات الفلسطينية عدم تهاونها في سوقه مخفوراً إذا "عثر" عليه، تسليط الضوء على الدور الذي باتت شريحة من اللاجئين الى لبنان تدمن اداءه، والمتمثل في أن كل التيارات السياسية البائدة منها والمحدثة تجد دوماً أنصاراً ومتحمسين لها في البيئة الفلسطينية.
3- وبناء على كل هذه التجارب المرة المتكررة والمتنقلة بين مخيم عين الحلوة ونهر البارد ثم عين الحلوة، والتي كلفت اللبنانيين والفلسطينيين على حد سواء كماً من الضحايا والخسائر المادية لا يستهان به، فإنه يصير أمراً غير مستغرب ان تنتشر مع كل احتقان أو توتر سياسي أو أمني تشهده الساحة اللبنانية بين أفرقائها، معلومات وهواجس فحواها ان المخيمات الفلسطينية أو بعضها ما يمكن اعتباره "الاحتياطي الجاهز" لأي اشكال أو تنازع يمكن أن يحصل هنا او هناك، وخصوصاً عندما يكون الامر المتوقع مشكلة على خلفية مذهبية.
4- صحيح أن التصريحات التي أطلقها بعض السياسيين اللبنانيين، والتي لوّحت ضمناً بتكرار تجربة مخيم نهر البارد التي لم يمر عليها الزمن، كانت في رأي البعض تصريحات تنطوي على كثير من التهور وعلى قدر كبير من المزايدات الداخلية، وفيها عودة بالذاكرة الى مراحل سوداء مرّة مضت، الا ان ذلك على صحته لا يبرر اطلاقاً "فتح" مواجهات مع عناصر ووحدات الجيش اللبناني من خلال رشقها بالحجارة، فهذا التصرف من شأنه ان يقدم مخيم عين الحلوة كشريك في عملية اغراق الجيش في صراعات جانبية، بغية الهائه عن مهمات اساسية منوطة به في هذه المرحلة بالذات وبالتحديد مع ارتفاع وتيرة التحديات على الحدود اللبنانية – السورية، فضلاً عن ان مشهد الرشق يعطي انطباعاً فحواه ان ثمة في داخل المخيم من يريد أن يكون بشكل أو بآخر شريكاً في لعبة الحدث السوري وهو امر يحبط جهوداً كبرى جبارة بذلتها القيادات الفلسطينية، لكي لا يبدو الفلسطينيون انهم مع هذا الطرف او ذاك في سوريا، علماً ان ثمة في لبنان من يرى أن حركة "حماس" ستكون أولى ضحايا الحدث السوري أرادت ذلك أم لم ترد، فالانقسام والتباين بدآ يأخذان طريقهما الى الجسم القيادي لهذه الحركة التي كانت تجد في دمشق دوماً ملاذاً لها بعدما أوصدت معظم العواصم العربية ابوابها في وجهها.

السابق
كوهين: على لبنان الحيطة والتنبه
التالي
تركيا لن تغلق سـفارتها في دمشـق