النأيُ عن الحقّ والمصلحة والشرف!

مضى وزير الخارجية اللبناني إلى روسيا لمقابلة وزير الخارجية الروسي، ونقل موقف النظام السوري لا موقف لبنان إليه! وكانت الحكومة اللبنانية وبخاصة رئيسها الميقاتي ووزير خارجيتها المنصور قد دأبا على التصريح أنهما يتّبعان سياسة النأي بالنفس تجاه أحداث سورية لوقاية لبنان من الأخطار، بين أن سياسة النأي بالنفس عَنَتْ دائماً التصريحات العدوانية، والأعمال العدوانية ضد الشعب السوري السائر، وإظهار التودّد للرئيس المقوم والممانع بشّار الأسد، ومن جانب سائر أطراف 8 آذار وفي طليعتهم نصر الله وعون ووزير خارجية حكومة ميقاتي عدنان منصور!

مضى المنصور إذن مبعوثاً من وراء الحدود القريبة والبعيدة، إلى روسيا للتعبير عن قلقه وقلقهم من «تطوّر» الموقف الروسي في الأسبوعين الأخيرين. فقد بدأ الروس يتحدثون في العلن على الأقل عن وقف للعنف في سورية وسحب للقوى الأمنية والعسكرية من الشارع فتوقف المعارضة الدفاع والهجمات، وتحدث هدنة إنسانية، تدخل خلالها المساعدات الدولية، ويلملم الناس جراحهم لبدء «الحل السياسي» بحسب مقترحات كوفي أنان. ورغم أن هذا التطوّر في الموقف الروسي لم يثبت بعد أو لم تتضح معالمه بعد (فالروس أرسلوا فرقة لمكافحة الإرهاب الى سورية رغم الكلام المعسول عن وقف العنف والحل السياسي!) فإنه أثار قلقاً بالغاً لدى المنصور وأولياء الأمور القريبين والبعيدين، فسارعوا لإرساله لنصح الروس بأن لا يضلّلهم الأميركيون والصهاينة وكوفي أنان والصليب الأحمر الدولي، فيصرفوهم عن دعم المقاومة الخالدة التي لا تتمثل إلا بالحزب والأسد ولا أحد غير!

ما ترك وزير الخارجية اللبناني وهماً حول أسباب رحلته إلى موسكو، على أي حال إذ صرّح بأنه إنما يدعم نظام المقاومة والتحرير في وجه المؤامرات التي تريد إخضاعنا لإسرائيل! وهو مضطّر للتصريح بذلك ليس بسبب الحماسة فقط، بل ولكي يظلّ أولياء الأمور القريبون والبعيدون على ثقة به أيضاً، فهم الآن بل ومنذ شهور طويلة في حالة عصبية، وشكوك في كل أحد، وبالذات منذ انطلاق الثورات العربية ووصولها الى اليمن وسورية، ورفع روح التحدي لدى شباب إيران والعراق ولبنان! وكل أسبوع أو عشرة أيام يقترح اقتراحاً جديداً إلى أن قال أخيراً كما هو معروف: بإلقاء السلاح من الطرفين! وفي حين ينصرف أولاد الميقاتي لترويق مزاج الرئيس المقاوم وامرأته، بالأحاديث والهدايا، يندفع المنصور وأمثاله إلى الجهاد ضد المؤامرة في موسكو ووزارة الخارجية اللبنانية وفي الأمم المتحدة والجامعة العربية وعلى الأرضين اللبنانية والسورية، متنافسين بذلك مع الجنرال عون ومنع أرباب الشعائر الدينية الإسلامية والمسيحية!.

ما الذي يُرغمُ وزير الخارجية المنصور، ويُرغم أمثاله على القيام بهذه المهامّ الشاقة (أو السهلة؟) ضد الشعب السوري بل ضد كلّ شعوب الأمة؟ إن هذا الانحياز لا يقبلُهُ دينٌ ولا خُلقٌ ولا مصلحة وطنية أو قومية. الشعب السوري يريد الحرية وتغيير نظامه مثل سائر شعوب الجمهوريات الخالدة. وقد كنا نحن ننعى دائماً على النظام السوري الوصاية والتدخلات غير المبرّرة، فلماذا الآن التدخل في شؤونه؟

وما كنتُ منذ الشهور الأولى مع سياسة النأي بالنفس. وإنما كيف يتجلّى التضامن؟ بالإعلام والإعلان والتظاهر ومُساعدة النازحين، والتواصل مع المجلس الوطني للمعارضة، ولو كنا في الحكومة لطالبتُ بأن نكون مع المبادرة العربية. أما سياسة النأي بالنفس والتي قُصد بها إسكاتُ فريقنا السياسي، واضطهاد جمهورنا، فما كانت غير نفاق واستهداف. فقد انصرف الفريق الحكومي كله لدعم النظام السوري ضد شعبه، وآخر وجوه الدعم الذهاب مبعوثاً إلى موسكو، من أجل نُصحها بأن لا تُغادر عهود ووعود المقاومة والممانعة. وهذه ليست سابقة، فقد كان السوريون منذ التسعينات يستخدمون وزراء خارجية لبنان، ويستخدمون سُفراءه في نقل الرسائل وما هو أكثر وأكبر من ذلك لسوء الحظ!

إنّ الشعب السوري الذي يشتري حريته بدمائه الزكية، إنما يشتري حريتنا نحن اللبنانيين أيضاً، وحريات العراقيين والفلسطينيين. وانما نستغرب هذا الرهان غير الأخلاقي على عصابة مسلّحة، خرجت على مصالح سورية الوطنية والقومية، وحولت الجيش السوري إلى ميليشيا لقتل الناس! فلا سامح الله مَنْ كان السبب في كلّ هذه المآسي على لبنان والشعب السوري!

السابق
وسيلة أخرى لتحديد النسل
التالي
الشرق الأوسط: لافروف: الأسد أخطأ كثيرا وواشنطن: رسائله مثيرة للاشمئزاز