أكلاف القمّة..

حِمْل القمّة العربية أكبر من قدرة بغداد، على ما يبدو.. رغم "التراث" المألوف للعاصمة العراقية مع الأحمال الكبيرات على مدى العقود الأربعة الماضية، والتي لا يُقارن بها إلاّ الجحيم المفترض.
القمّة المقرّرة في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، استوجبت وتستوجب إجراءات وسياسات وزيارات خارجية لمحاولة إعادة وصل ما انقطع مع دول الجوار تحديداً.. واستوجبت وتستوجب إلتزاماً محدّداً وواضحاً من حكومة المالكي بسياسة عربية جماعية (رغم تحفّظات الوزير عدنان منصور!) حيال سلطة بشار الأسد تقضي بمقاطعته تبعاً لتعليق عضوية سلطته في مجلس الجامعة.. كما تقتضي القبول بما سينتج عن القمّة المرتقبة ازاء تلك السلطة. وكل ذلك في مجمله، لا يسرّ الخاطر البغدادي الراهن، ولا تقاطعاته الإيرانية والسورية، ولا توجهاته الذاتية الموغلة في خواص وأبعاد مذهبية واضحة ونافرة، ولا السياسة المعتمدة من قبله ازاء ما يحصل في سوريا.
لكن ذلك كله في أي حال، لا يُقارَن بأحمال العنف الضاري الذي شهدته بغداد ومدن عراقية عدّة أمس. والتي وجد فيها كثيرون رسائل تفجيرية للقمّة عدا تفجيرها للناس والبنيان، وعدا زيادتها للتخريب الفظيع الذي أصاب العراق واجتماعه.
والمفارقة مؤلمة: لا يكفي "الولاء" السياسي لتجنيب الضرب على الرأس. حلفاء السيد المالكي هم مَن يحددون له مقدار التفلّت في تنقلاته السياسية. والمدى المسموح له الذهاب إليه. العراق بالنسبة إلى هؤلاء، في طهران ودمشق، ليس (ولن يكون قريباً) دولة مقتدرة، بل هو مساحة نفوذ حتى إشعار آخر، وصندوق بريد على النمط اللبناني الكئيب، تُعلَن من خلاله سياسات، وتُبلَّغ قرارات. وإذا اقتضت الضرورة استخدام الإرهاب الأعمى أو المبصر فلا مشكلة. الرسالة أهم من حاملها. وقرار تخريب قمّة العرب أهم من صداقة المالكي وولائه، وأهم (بطبيعة الحال) من الدماء المدرارة التي سفكت بالأمس، وكأنّ أصحابها ليسوا إلاّ أرقاماً تُضاف إلى اللائحة الطويلة لـ"سكان" العراق الآخرين، القاطنين تحت التراب والذين فاق عددهم منذ عهد صدام إلى الأمس الخمسة ملايين كائن بشري.

لكن فوق ذلك، فإنّ الرسالة الدموية الجديدة كانت صلفة بقدر ما كانت وقحة وقاسية: استهداف وزارة الخارجية تحديداً، ولو عن بعد، يؤشر إلى ذلك. بل يؤشر إلى أن كل التفجيرات الأخرى التي واكبت ذلك الاستهداف إنما كانت لزيادة الوطأة الأصلية، و"تفعيل" القرار المركزي بتكسير الجهاز التنظيمي السياسي والديبلوماسي والتقني العامل على التحضير للقمّة، وتكسير القرار السيادي الرئاسي باستضافتها واستقبال قادة وزعماء ومسؤولين عرب لم يحن الوقت بعد لاستضافتهم بحسب الأجندة الإيرانية!
وبالمناسبة، فقد سبق أن شَرِبَ الوزير هوشيار زيباري من تلك الكأس قبل نحو عامين، حيث استهدفت وزارته بتفجير كان أعنف من تفجير الأمس، وخرج يومها ليحمِّل دمشق مباشرة مسؤولية ذلك الاستهداف الذي جرى بعد يوم واحد من لقاء عُقد فيها بين المالكي وبشار الأسد!
.. من الآن حتى الموعد المفترض للقمّة، سيكتشف السيد المالكي انه ربما ذهب بعيداً في افتراضاته الاستقلالية والسيادية، وسيتمعّن بمرارة أكبر، في طبيعة حلفائه، علّه حينها "ينتبه" إلى عراقه أكثر من انتباهه إليهم، حتى وإن كانوا هم مَن وضعه في مركزه!

السابق
رئيس المحكمة الدولية الجديد يزور بيروت
التالي
نقل 4 لبنانيات من فلسطين المحتلة