ما هكذا يكون التعامل مع الأزمات

ما هذه القمة العربية الدورية التي كان أمرها انعقاداً أو مستوى تمثيل، غير محسوم حتى قبل أسبوع من الموعد المقرَّر لها منذ أن تم التوافق على الأخذ بفكرة الانعقاد الدوري. فحتى اليوم أي قبل أسبوع من ذلك الموعد وهو 28 – 29 آذار 2012 كان الحديث العراقي حول القمة مجرد اعلان عن جهوزية حكومة المالكي للقمة ومعلومات بأن الذين سيحضرون سيأتون قبل ساعة من موعد الإنعقاد ويغادرون على الفور بعد الجلسة الختامية. كما أن الحديث كان مجرد تمنيات وتأكيدات من طرف واحد بأن الإنعقاد سيتم وأن التمثيل سيكون كبيراً بصرف النظر عمن سيترأس هذا الوفد أو ذاك.

أما عدا ذلك فليس هنالك أي تأكيدات من جانب قادة الأمة أو حتى من الأوساط الرسمية في هذه الدولة العربية أو تلك، بالمشاركة وإرفاق التأكيدات بشيء من التمني للقمة ليس فقط بالإنعقاد وإنما تحقيق أعلى نسبة من النجاح وذلك لأن الأحوال العربية تبعث في النفس شعوراً بالإحباط.
ولا بد أن الذين عاشوا مثل حالنا أجواء القمة العربية الاستثنائية في الخرطوم آب – أيلول 1967 يتذكرون كيف أن هذه القمة بددت، بالقرارات التي إتخذتْها والتي جمعت بين نخوة عرب النفط وتمسُّك الجميع بالثوابت، حالة الإحباط التي كانت مستشرية نتيجة هزيمة 5 حزيران التي أصابت الأمة في قلبها وعزتها وكرامتها.

وعندما تكون الدولة الكبرى مصر هي التي مُنيت بالهزيمة يصبح من الطبيعي القول إن قلب الأمة هو الذي أصيب.
في تلك القمة إلتف الجميع حول الرئيس جمال عبد الناصر وتجاوبوا مع نخوة الملك فيصل بن عبد العزيز فكان الدعم لمصر والأردن وسوريا من أجل إزالة آثار العدوان. وكانت في الوقت نفسه اللاءات الثلاث: لا صلح. لا تفاوض. لا اعتراف بإسرائيل.
ما نريد قوله إن الارادة العربية كانت في أعلى درجات المسؤولية في تلك القمة التي شارك فيها جميع الملوك والرؤساء، عدا سوريا التي تمثلت زمنذاك بوزير الخارجية الذي كان الوحيد الذي غرد خارج السرب في قمة الخرطوم التي قياساً بما قبلها وبما بعدها من القمم كانت الأكثر نجاحاً.

هذه الإرادة غير متوافرة الآن وفي هذه الظروف البالغة الصعوبة التي تعيشها الأمة. ومن الدلائل على عدم توافر هذه الارادة أن الموقف العربي لم يحقق حلاً حاسماً للموضوع السوري. فالأزمة من النظام والمعارضة متواصلة. والضغوط العربية لا ترقى إلى درجة اقتناع الحكم السوري بأن التفاهم مع الأطياف المعارضة خير له ولهم من إستمرار المواجهة التي يخسر المنتفضون فيها أرواحاً لكن خسارة النظام أكبر. ويستغرب المرء كيف أن الرئيس بشَّار الأسد لم يخطط، مِن قبل أن تبدأ الرئاسة العراقية توجيه الدعوات إلى القادة العرب للمشاركة في القمة، لموقف يجعل هؤلاء يرون أن من شأن مشاركة وفد سوري مشترك في القمة أن يشكِّل مدخلاً إلى البحث المعمق في الأزمة. وزيادة في التوضيح نقول إنه لو صدر عن الرئيس بشَّار كلام خلاصته أنه على رغم كل شيء يرى أن القمة العربية الدورية في بغداد هي أفضل مناسبة للتشاور مع أخوانه الملوك والرؤساء في الموضوع السوري الذي لم يعد يخصه فقط كحزب وكطائفة دون سائر الأحزاب والطوائف، وإنما يعني الأمة حكاماً وشعوباً. ولأن الأمر كذلك فإنه، أي الرئيس بشَّار، يدعو الأطياف المعارضة الداخل منها والخارج إلى اختيار عضوين ينضمان إلى وفد سوريا إلى القمة الدورية في بغداد… انه زيادة في التوضيح ونعتقد أنه لو فعل ذلك لكان سيجد لدى القادة العرب ما يشجع على التحاور معه داخل أروقة القمة وفي لقاءات جانبية من أجل استنباط الحل المتوازن.

وفي ضوء هذا التحاور يتم الأخذ بالمبادرة العربية التي رغم كل شيء ورغم الخطوات الضاغطة دبلوماسياً واشخاصاً واقتصاداً ما زالت قائمة. أما كيف تكون آلية الأخذ بالمبادرة وتعديل ما يمكن تعديله منها ما دام التعديل تفصيلياً وليس جوهرياً ويحقق الغرض، فهذا أمر لا يعود شائكاً لأن مجرد إشراك المعارضة في وفد سوريا إلى القمة يذلل ما عداه من المعوقات.

من المؤسف أن الرئيس بشَّار لم يفعل ما نشير إليه. وهذا الأمر أضره في الدرجة الأولى، ذلك أنه مهما بلغت مسايرة الحكم العراقي للنظام في أيران فإنها لا تصل إلى حد أن يضحي الرئيس نوري المالكي بالمؤتمر الذي يرى فيه دفعاً لمكانته الداخلية من أجل أرضاء حليفه الإيراني الذي هو الحليف الأكبر للرئيس بشَّار. ومن أجل ذلك رأيناه يستعجل زيارة الكويت والتساهل مع مطالبها من ترسيم حدود إلى تعويضات إلى تعهدات، في حين تُردد أوساطه انه لم ولن يوجه الدعوة إلى الرئيس بشَّار الأسد للمشاركة في القمة. وهو يفعل ذلك فيما الموقف الكويتي ضد النظام البشَّاري تجاوز بكثير ما كان يتوقعه الرئيس بشَّار من الكويت تسديداً لموقف والده الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي كان في أزمة الغزوة الصدامية للكويت كويتياً أكثر من الكويتيين. ومن شأن استحضار ما فعله وقاله في حينه تأكيد ما نقوله. وفي موقفه هذا تصرَّف الرئيس المالكي بحنكة غابت عن بال الرئيس بشَّار، ونقول ذلك على أساس أن المالكي بزيارة الكويت التي هي «غزوة إيجابية» نقيض «الغزوة الصدَّامية» يحقق مشاركة كويتية عالية المقام في القمة. ومثل هذه المشاركة إضافة إلى التأكيدات العراقية حول عدم توجيه الدعوة إلى الرئيس بشَّار، تحفز بقية دول مجلس التعاون الخليجي على المشاركة في القمة وبمستوى عال من التمثيل.
يبقى القول إن صاحب الحاجة هو المطلوب منه أن يبادر ويتصرف بحنكة لا أن يفترض أن ما حدث في القمة الاقتصادية العربية في الكويت لجهة التسامح سيتكرر، ذلك أنه في الزمن الذي مضى لم يكن هنالك دم سوري يراق يومياً ومع اراقة الدماء خراب وممارسات قمعية ولاجئون بالالوف.

ومع ذلك فإن الخطوة التي مع الأسف لم يقدِم عليها الرئيس بشَّار ضاعت ولن يكون في استطاعة نظامه مواجهة الإعصار الأشد.
… وما هكذا يكون التعامل مع الأزمات، وبالذات ما هو عاصف مثل الأزمة السورية، يا أبو حافظ.

السابق
حرب دون حرب
التالي
بربريّة ملاّكي العبيد